30 أكتوبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); في العام 1992، أخرج "فرانسيس فورد كوبولا" فيلم "دراكولا" الذي اعتبره البداية الحقيقية لمشروع "كوبولا" نحو إعادة صياغة عقيدة جديدة لأمريكا، وأعني "عقيدة" بالمعنى الحرفي. معتمدا في دعايته على أنها المرة الأولى التي يتم فيها تقديم فيلم مأخوذ عن الرواية الأصلية، كما كتبها الأيرلندي "برام ستوكر" في العام 1897، وهي الرواية التي لا يوجد منها سوى نسخة واحدة، مكتوبة بخط يد مؤلفها، لم يتم الكشف عن وجودها إلا في العام 1984، وهي تقع في 430 صفحة ويقدر سعر بيعها بحوالي مليون ونصف المليون دولار.وحسب رواية "ستوكر" ومشاهد الفيلم فإن "دراكولا" هو الأمير الروماني "فلاد تيبيسو" الذي حكم بين العامين 1456 و1462، والملقب بـ "دراكولا" وتعني "ابن الشيطان"، وإذا كان التاريخ يقول إن "فلاد" اكتسب سمعته السيئة بسبب تلذذه بتعذيب أعدائه وخصومه، وإنه كان "يخوزقهم" ويجلس أمامهم ليشاهد موتهم البطيء، فإن الفيلم يقدم تفسيراً مختلفاً للعنة التي حولت "فلاد" إلى "دراكولا"، وهو اعتراض الأمير النبيل المقاتل على مشيئة القدر، التي جعلته يفقد حبيبته في اللحظة نفسها التي عاد فيها منتصراً، وإصراره على مواصلة الحياة حتى يلتقى حبيبته ـ أو النسخة المستقبلية منها ـ مرة أخرى، وهي النسخة التي ينتظر "فلاد" سنوات طويلة، أكثر من ثلاثة قرون، حتى يجدها، إنها عروس الشاب الانجليزي الذي التحق بخدمته في القلعة، ونجا من الموت تحت أنيابه بمعجزة، ويذهب "دراكولا"، الذي أصبح منذ زمن طويل مزجا من "فلاد" والشيطان، إلى لندن، ليدور صراع يؤمن كل أطرافه بأنه "قدري"، بمعنى أن أحداثه سطرت في لوح الغيب منذ الأزل، وأنهم لا يملكون إلا الانصياع ولعب أدوارهم حسبما قدر لهم، وينتهى الصراع ـ وبالتالي ينتهى الفيلم ـ حين تقوم حبيبة "دراكولا" التي عاش طويلاً في انتظارها بقتله، إنها تنفذ الطعنة في قلبه ثم تقطع رأسه رغم حبها له لتخلص "فلاد" من "الشيطان" خاصة أن "فلاد" كان يتعذب بعد أن نجح مطاردوه في غرس السيف في صدره، كان يتعذب ولا يتيح له الشيطان الساكن في جسده سكينة الموت، ومع "خلاص" فلاد نراه يسترد ملامحه الأصلية كأمير وسيم، ونرى الضوء ـ للمرة الأولى منذ قرون ـ يغمر وجهه، ذلك أنه لم يعد "أمير الظلام"."التكفير عن الخطيئة" هو الفكرة المحورية في الفيلم، فـ"تسليم" دراكولا يكفر عن تمرده السابق، وآلامه تكفر عن جرائمه، ومعاناة النسخة الثانية من الحبيبة تأتي تكفيرا عما تسببت فيه النسخة الأولى من مأساة تواصلت فصولها عبر القرون.تقوم بنية الفيلم على "العولمة" في إطار "غنوصي" حيث "الرجل الأبيض" هو "القوة" الوحيدة القادرة على صناعة "السلام"، وهو لا يخلو من العنف لكنه لا يعتمد عليه، فـ"دراكولا" يبدو في كثير من المشاهد دخانا وطيفا وظلا متسللا، وهو ـ بشكل ما ـ يعيش صراعا بين شقيه: الإنساني الذي خلا قلبه من النبض وصدره من الأنفاس منذ تحالف مع الشيطان، والشيطاني الذي يجبر "فلاد" على الاستمرار في ممارسة حياة "دراكولا" كلما أراد الانسحاب تحت وطأة الشعور بالضياع والعزلة. لكن "غلاف الفيلم" يقول إن "الإنسان" ينتصر في النهاية، يتخلص من الظلام ولا يبقى إلا وجهه المشرق محققاً كل ما أراد، ولا بأس بأي ثمن يدفعه في هذا السبيل، حتى وإن كان حياته نفسها!