19 سبتمبر 2025
تسجيلرغم المجازر المتعددة التي تعرض لها الثوار المعارضون للانقلاب العسكري، والتي أدت إلى استشهاد ما يزيد على تسعة آلاف شخص حتى الآن، غير الجرحى والمعتقلين الذين هم بعشرات الآلاف، إلا أن الإستراتيجية العامة للثورة التي يقودها "التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب"، ما تزال تدور في إطار الاحتجاجات السلمية على اعتبار أن "سلميتنا أقوى من الرصاص" كما قال المرشد العام للإخوان المسلمين قبل اعتقاله. لكن مع استمرار منهج القتل الذي تسير عليه قوات الانقلاب، حيث لا يمر يوم دون سقوط شهداء، خاصة مع تصاعد الحراك الثوري بدخول الطلاب على خط التظاهر وسقوط العشرات منهم شهداء، بدأت تظهر دعوات إلى التوقف عن السلمية واللجوء إلى العنف لردع تلك القوات التي استمرأت القتل بسبب عدم وجود رد فعل قوي من الثوار ضدها. كان من الطبيعي أن تنحو الثورة المصرية نحو العنف منذ سقوط هذا العدد الكبير من الشهداء، خاصة بعد مجزرتي رابعة العدوية والنهضة، حيث تم قتل أكثر من خمسة آلاف شهيد في يوم واحد، على غرار الثورة السورية التي تحولت إلى حرب أهلية. لكن وجود كتلة صلبة تتمثل في جماعة الإخوان المسلمين الملتزمة بالإطار السلمي في مواجهة الانقلاب، جعل من الصعب الانزلاق إلى النموذج السوري، حيث لعبت الجماعة دور الضابط لحركة المجتمع والثورة في هذه المرحلة الخطيرة. واستمر هذا الدور حتى مع اعتقال كافة قيادات الجماعة من الصف الأول والثاني، فضلا عن المئات من كوادرها، وذلك بسبب قدرتها التنظيمية العالية التي تسيطر من خلالها على الاحتجاجات وتعمل على توجيهها وامتصاص آثار العنف والقتل الذي تواجهها به قوات الانقلاب. وساعد على ذلك انقياد باقي فصائل التيار الإسلامي المعارضة للانقلاب لهذا التوجه. لكن مع دخول فئات جديدة إلى الحراك الثوري، خاصة من جانب الطلاب لا ينتمون إلى جماعة الإخوان أو حتى فصائل التيار الإسلامي الأخرى، عادت الدعوات لانتهاج العنف في مواجهة الانقلابيين، لتعلو من جديد. بل إنها حتى لم تنتظر رد فعل الجماعة المعلوم مسبقا بالرفض، حيث قامت تلك الفئات باللجوء إلى مواجهة قوات الانقلاب بوسائل أكثر عنفا مقارنة بالفترة الماضية من حيث حرق سيارات الشرطة والجيش واستخدام محدود لزجاجات المولوتوف. وفي ظل استمرار عمليات القتل والعنف الشديد من جانب قوات الجيش والشرطة، من المرجح اتساع دائرة عنف الثوار ودخولها مرحلة جديدة، خاصة مع استمرار عدم الحسم لصالح الثورة طوال أكثر من ستة أشهر بخلاف ما حدث في ثورة يناير الأولى حيث تم الحسم بعد ثمانية عشر يوما فقط. وهناك نماذج من ثورات دول أخرى وصلت إلى مراحل متقدمة من استخدام العنف ضد قوات النظام الذي تسعى لإسقاطه، كما حدث في الثورة الإيرانية حينما اعتمد الثوار إستراتيجية حرق سيارات الشرطة والجيش ولكن بكثافة شديدة، حتى أدى ذلك إلى انهيار الشرطة وعدم قدرة الجيش على نقل جنوده إلى مناطق الاحتجاجات، فضلا عن عدم قدرته على نقل المؤن إلى ضباطه وجنوده في المعسكرات. وفي مرحلة تالية قام الثوار بحصار معسكرات الجيش وإنذارها بالاستسلام أو الانقضاض عليها وحرقها. وهو ما حدث بالفعل، حيث أعلنت الاستسلام وانتصرت الثورة الإيرانية. وفي جنوب إفريقيا حدث شيء مشابه، رغم أن الثورة هناك موصوفة بأنها ثورة سلمية بقيادة مانديلا. لكن الحقيقة أنه مع تصاعد عمليات القتل والعنف ضد الثوار من جانب السلطة، دعا مانديلا الثوار إلى مواجهة العنف بالعنف في المراحل الأخيرة من الثورة، وهو ما أدى إلى تسارع سقوط النظام هناك وانتصار الثورة. ويبدو أن مصر مقبلة على هذه المرحلة في حال استمر القتل والعنف ضد الثوار، خاصة مع قرب انهيار الشرطة التي لم تعد قادرة على ملاحقة الفعاليات الاحتجاجية المستمرة من الثوار ليلا ونهارا. وإذا ما انهارت الشرطة فستسود حالة من الفوضى والعنف في البلاد، لن تنتهي إلا بعد الانتقام من الانقلابيين وعودة الشرعية.