14 سبتمبر 2025
تسجيلإضافة القمة الخليجية الأخيرة بأبوظبي لبنة جديدة للعمل الخليجي المشترك، وذلك بالاتفاق على فتح فروع للشركات الخليجية وإصدار إطار عام ومهما حوَّل المحافظة على مصادر المياه في دول المجلس، مما سيساهم في حل معضلة المياه وتناقضاتها، ففي الوقت الذي تعتبر فيه منطقة الخليج من أكثر مناطق العالم فقرا في مصادر المياه، فإنها تعتبر في الوقت نفسه في مقدمة بلدان العالم الأعلى معدلا في حصة الفرد من استهلاك المياه. أما القضايا الأخرى المهمة، فقد تمت التوصية بسرعة إنجازها، وبالأخص الاتحاد الجمركي والسوق الخليجية المشتركة ومشروع السكك الحديدية، في الوقت الذي ما زالت التفاوتات موجودة بشأن الاتحاد النقدي، مما يعني أن دول المجلس قد وصلت وبعد ثلاثة عقود إلى مرحلة متقدمة من اتخاذ القرارات، إلا أن القضية الأساسية تتعلق بمدى الالتزام بتطبيق هذه القرارات والتي ما زال العديد منها مؤجلا رغم مرور سنوات طويلة على الموافقة عليه. ولسنا هنا بصدد تقييم عملية التطبيق والتي ربما تكون من اختصاصات الأمانة العامة، إلا أن القرار الخاص بالسماح بفتح فروع للبنوك الوطنية على سبيل المثال والذي اتخذ منذ عشر سنوات تقريبا لم يطبق حتى الآن، إلا في حدود ضيقة جدا. والسبب يكمن في التناقض بين القرارات الخليجية المشتركة والتشريعات المحلية، فالقرار الخليجي رغم أنه متخذ من قبل أعلى سلطة خليجية، إلا أنه بحاجة لمراسيم محلية حتى يجد طريقه للتنفيذ. وتبين التجربة السابقة، أن تجاوب التشريعات المحلية مع الاتفاقيات المشتركة تتفاوت بين دولة وأخرى، فبعض الدول تتخذ قرارا محليا بالالتزام بعد ثلاثة أشهر ودولة ثانية بعد سنة وثالثة بعد ثلاث سنوات ورابعة بعد خمس سنوات، مما يراكم هذه القرارات ويقلل من أهميتها ومساهمتها في تفعيل العمل الخليجي. وللخروج من هذا المأزق المعرقل، فإنه يمكن الاتفاق على ضرورة تفعيل الاتفاقيات الخليجية المشتركة خلال ثلاثة أشهر من صدورها على أبعد تقدير أو الالتزام بتنفيذ هذه الاتفاقيات بصورة آنية وتعديل أو إلغاء التشريعات المحلية التي تتعارض مع القرار الجماعي، مثلما هو الحال في بلدان الاتحاد الأوروبي. بدون هذا الإجراء ستبقى القرارات الخليجية المشتركة رهن التباطؤ في تنفيذها، مما ينعكس بصورة سلبية على العمل الخليجي ويقلل من أهمية هذه القرارات، وذلك بالإضافة إلى منح الأمانة العامة المزيد من الصلاحيات في متابعة تنفيذ الاتفاقيات وعدم الاكتفاء بدور المراقب غير المفوض. والحال، فإن القرارات الجماعية المتخذة تعكس حرص كافة دول المجلس على تطوير العمل الخليجي، إلا أن المشكلة الأساسية تكمن في الأجهزة الإدارية البيروقراطية التي عادة ما تجد المبررات التي تؤدي إلى عرقلة تطبيق هذه القرارات، من هنا لابد من تحييد هذه الأجهزة وإلزامها من خلال التشريعات القانونية. وفي هذا الصدد يمكن الاستفادة من تجربة الأمين العام لدول المجلس السيد عبدالرحمن بن حمد العطية والذي عمل طوال تسع سنوات بإصرار وتفان في خدمة دول المجلس وتحققت في عهده مكاسب مهمة تمثلت في تطوير الاتفاقية الاقتصادية الموحدة وإقرار الاتحاد الجمركي والسوق المشتركة والربط الكهربائي وغيرها العديد من المكاسب، مما يتوجب توجيه الشكر والتقدير له وللجهود الكبيرة التي بذلها. وعليه، فإن مهمة الأمين العام الجديد الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني والذي سبقته إلى الأمانة العامة سمعته الطيبة وخبرته المهنية والإدارية الغنية تكمن ليس في اتخاذ المزيد من اتفاقيات التكامل فحسب، وإنما أيضاً في تطبيق الاتفاقيات التي اتخذت وما زالت معلقة من خلال تقوية البنية التشريعية الخليجية الموحدة ومن خلال منح الأمانة العامة المزيد من الصلاحيات الخاصة بمتابعة وإلزامية تطبيق ما تم الاتفاق عليه. هذه المهمة التي تقف أمام الأمين العام الجديد ليست سهلة، إلا أنها في الوقت نفسه ليست مستحيلة، خصوصا أنه سيعتمد على أرضية قوية تتمثل في أن هذه القرارات صدرت عن أعلى جهة في الهيكلية الإدارية لدول المجلس، مما يمنحه تفويضا وسندا قويا وترحيبا من مختلف المستويات في دول مجلس التعاون الخليجي والذي يطمح لاحتلال موقع متقدم من بين الاقتصادات العالمية في السنوات القادمة.