17 سبتمبر 2025

تسجيل

قامات عرفتها .. ليندن لاروش المرشح الأسبق للرئاسة الأمريكية.. نصير الحق

19 نوفمبر 2021

بمناسبة الزلازل السياسية والحضارية التي تهز العالم اليوم، والتي قلبت موازين العلاقات الدولية، ومرت على أمريكا والشرق الأوسط حربان شبه عالميتين على العراق وأفغانستان ونحن جميعا بعد عقود من الزمن نضمد جراحا عميقة كما تضمد الولايات المتحدة وحلفاؤها نفس الجراح وتعيد حساباتها وإعادة توزيع قواتها ومناطق حضورها. فكرت في تقديم قامة أمريكية عرفتها عن قرب للقراء الأكارم وهو(ليندن لاروش) المرشح الأسبق للرئاسيات الأمريكية عن الحزب الديمقراطي ورجل الاقتصاد مؤلف عشرة كتب في الاقتصاد الأمريكي والعالمي وهو نصير القضية الفلسطينية والحقوق العربية من خلال مجلته الأسبوعية السياسية الراقية (أكزيكيتيف أنتليجنس ريفيو) التي تصدر الى اليوم ونشرت بعض مقالاتي، وأعرض هنا أبرز فقرات الحديث الذي اجريته على ضفاف نهر الراين بألمانيا مع هذا الصديق الشهم الذي فارقنا منذ سنة، وأذكر أن هذا اللقاء تم في سبتمبر 2002 الذكرى الأولى للعدوان الارهابي على نيويورك وواشنطن يوم 11 سبتمبر 2001 وما تزال حقائقه أقوى من ذي قبل قال لي لاروش: «ان الولايات المتحدة الأمريكية تعيش اخطر ازمة وأعمق كسر منذ نهاية حرب فيتنام. فحرب فيتنام وجدت كذلك هي الاخرى نفس الصقور ودعاة الخراب الذين برروها للشعب الأمريكي بتعلات ضرورة انقاذ جنوب شرقي اسيا من المد الشيوعي، وكانوا كذلك قسموا العالم الى محور الخير الديمقراطي الليبرالي ومحور الشر الشمولي الشيوعي. وقد كلفت هذه النظريات الطوباوية الشعبوية الشعب الأمريكي غالياً. واليوم بعد 11 سبتمبر 2001 نفس النظريات لنفس المصالح تكرر التعلات لاعلان الحرب على العراق واطلاق يد شارون فيما تبقى من ارض وشعب فلسطين كأنما مقاومة الارهاب هي دين أمريكا الجديد او المبتدع بينما الارهاب في الحقيقة ظاهرة هلامية غير محددة بدين او بدولة او بحضارة. وهو نتيجة تراكم اخطاء في حسابات الدول الكبرى المنتصرة في الحرب العالمية الثانية وما فرضته على بقية العالم من نهج (بريتون وودز) وصندوق النقد الدولي والبنك العالمي واليوم بنهج العولمة الجائرة وايقاف التضامن الدولي الحقيقي وضرب المجتمعات المدنية والغاء القانون الدولي لتعويضه بقانون الغاب واذكاء الصراعات القومية والطائفية والجهوية ثم اعلان صراع حضارات! يغلّف نوايا الهيمنة والطاغوت بقناع الاختلاف الحضاري والثقافي بين ما يسمى الغرب وما يقابله من عالم اسلامي وعالم كنفوشي «نسبة لكنفوشيوس أي الصين تحديدا». والحلول التي ما فتئت ادعو اليها ومنذ اربعين عاما هي حلول التضامن الحقيقي والفعال بين دول أمم حرة وذات سيادة من اجل التقدم والسلام مثل العودة الى طريق الحرير الذي كان يربط بين اوروبا واسيا وافريقيا. فالتضامن الانساني يمر عبر حوار الثقافات والاديان واعتبار ما يجري في قارة اخرى يهمك شخصيا في النهاية، مثل قضية وباء الايدز التي نبهت اليها في مطلع الثمانينيات محذرا الدول الغنية ـ في ذلك الزمن المبكر ـ من ان مرض الايدز الذي لم يكن وباء آنذاك سيصبح فاجعة العصر لأن الفيروس لا يعرف الحدود ولا يقف عند الجمارك، وناديت بحملة تضامنية احترازية ولكن لا حياة لمن تنادي حتى استفحل الخطب واصبح ضحايا الوباء في كل دول العالم يعدون بعشرات الملايين، وقس على ذلك معضلات البيئة ونقص الغذاء وشح الادوية وتناقص المياه. والفجوة المتعمقة باستمرار بين الفقراء والاغنياء، وهذه الفجوة هي التي اقترحنا لها حلولا تنموية وصناعية. واقترح لها اعداؤنا امثال (ماك كايسن) و(جوزف ليبرمان) و(صمويل هنتنجتون) حلولا اخرى تتمثل في اعلان الولايات المتحدة الحرب الشاملة ضد الشعوب التي تسميها هي «مارقة» اي في الحقيقة رافضة للانتحار البطيء. وذلك ما جرى في افغانستان وقبله في فيتنام وقبله في اليابان، حيث دمرت مدينتان بالقنابل النووية ونفس المنطق الاجرامي الحربي يجر اليوم الولايات المتحدة لحرب ضد الصين وربما ضد امم اخرى حسب مخطط اصبح مع الاسف يضعه اليمين الإسرائيلي لما يعتقد انه يخدم اسرائيل. واستمعت من قبل الى اصوات ترتفع ضد الحروب العبثية من (كسينجر) نفسه ومن (كولن باول) ومن (شوارسكوف) بالاضافة الى تنامي شعور الخوف من هذه المغامرة الذي حشد الاتحاد الاوروبي كله تقريبا بزعامة (شروريدر) و(شيراك) وجانب هام من الطبقة السياسية البريطانية الموالية تقليديا للولايات المتحدة. اما المحيطون بالرئيس (دبليو بوش) من جناح العسكريين والمتمعشين من الصناعة الحربية والمضاربة بالاسواق فهم بالطبع دفعوه في اتجاه الحرب من اجل ما يسمونه: (الاحتواء) وهي عقيدة وزير الخارجية الاسبق جون فوستر دالاس. عوض الاقرار بعجز الولايات المتحدة عن ان تصبح قوة ثقافية واخلاقية للجم وترشيد قوتها العسكرية والتكنولوجية وما بين الحمائم والصقور يظل الرأي العام الأمريكي ـ والغربي عموما ـ متأرجحا يعاني من عملية التلاعب بالعقول التي تتقنها اجهزة الاعلام التابعة لهذه اللوبيات المؤثرة والمنادية بالحرب. والامل معقود ـ كما يؤكد ليندن لاروش ـ على التغيير الحاصل في صلب الرأي العام الامريكي فقد تحركت مجلة «تايم» لتقول في الاسبوع الماضي بأن حال افغانستان اليوم أسوأ مما كان عليه قبل الحرب الامريكية «للقضاء على الارهاب..».