18 سبتمبر 2025
تسجيلقام الرئيس الأمريكي ترامب منذ 3 نوفمبر الجاري بجولته الآسيوية التي توجها بزيارة رسمية للصين الشعبية يومي 8 و9 ومحادثات مع الرئيس بوتين على هامش مؤتمر قمة التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادي في مدينة (داننغ) بجمهورية فيتنام واللافت للنظر هو أن الأسبوع الأول من الشهر كان حاسما للغاية في توجيه السياسات الدولية وتحديد مصير أغلب أمم الأرض بفضل تقاسمها بين العمالقة الثلاثة الحقيقيين بعد قرن بالتمام والكمال على معاهدة (سايكس بيكو) الشهيرة بين بريطانيا وفرنسا سنة 1916. وصدق الخبراء الأستراتيجيون حين خلصوا إلى استنتاج وضع الاتحاد الأوروبي على الهامش لسبب بسيط وهو استحالة استقلال القرار الأوروبي دون الاعتماد على الغطاء النووي الأمريكي واستحالة إنشاء قوة عسكرية أوروبية كان دعا إليها في السبعينيات وزير الخارجية الفرنسي (ميشال جوبير) الذي حدثني عنها شخصيا جوبير نفسه حين كنا صديقين أيام منفاي الباريسي. ومن جهة ثانية سجل الخبراء الاتفاق التام والنهائي بين القادة الثلاثة (ترامب) و(بوتين) و(شي جين بينغ) على تجاوز خلافاتهم الثانوية من أجل التعاون لمواجهة التحديات الكبرى ذات الأولوية والتي تهدد مصالح الأمم الثلاثة بدرجات مختلفة مثل تفاقم بؤر التوتر والإرهاب ومخاطر الانهيار المالي والاقتصادي الذي بدأ منذ 2008 ولا تزال تداعياته حية واندلاع حروب إقليمية سوف تجر الثلاثة الكبار للمواجهة والتدخل ثم إلى حرب عالمية لا تبقي ولا تذر. وتقول النشرية الأمريكية (ستراتيجيك ألرت) في عددها 44 الصادر في 2 نوفمبر الجاري بأن القادة الثلاث يواجهون حملات عديدة لتشويههم مثلما وقع من مبادرة عزل الرئيس ترامب قام بها عمليا خمسة أعضاء من الكنغرس الأمريكي هذا الأسبوع يتزعمهم العضو الديمقراطي ستيف كوهين، وهو الراعي للقرار، وهو الذي قال خلال عرض اللائحة على المجلس "نظرًا إلى حجم الأزمة الدستورية التي تعيشها بلادنا، لا يوجد سبب لتأخير صدور قرار عزل ترامب" وانضمّ إلى كوهين في تأييد لائحة الاتهام، الأعضاء لويس غوتييريز، آل غرين، مارسيا فودج، جون يارموث، وأدريانو إسبايلات، وجميعهم من الديمقراطيين. وقال هؤلاء إنهم اكتفوا فقط بتوجيه خمس تهم، من بين أخرى كثيرة، كلها ترتقي لاتخاذ قرار عزل الرئيس. ومن جهته يتعرض بوتين إلى حملة داخلية روسية تتهمه بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية وقمع منافسيه وخصومه بافتعال القضايا العدلية لتصفيتهم، أما الرئيس الصيني فهو منعوت بالدكتاتور حتى لدى بعض تيارات الحزب الشيوعي الصيني خلال مؤتمر الحزب الشيوعي الصيني التاسع عشر المنعقد 18 أكتوبر 2017 والذي يعدُّ الحدث الأهم في السياسية الصينية خلال خمس سنوات. ومن المنتظر أن يتم تحديث قيادة الحزب بصورة ملحوظة مع بقاء شي جين بينغ زعيما للحزب. ومع ذلك، لا يمكن اعتبار هذا الأمر عاديا، لأن الصين اصطدمت خلال السنوات الأخيرة بتحديات مختلفة، مثل تطور التكنولوجيا، الذي يهدد باختراق حائط الرقابة الصينية، وبطء النمو الاقتصادي وتفاقم الخلافات الداخلية. ولذا، فإنه سيكون على قيادة الحزب صياغة إستراتيجية جديدة، تتضمن كيفية مواجهة هذه التحديات التي تحدد سياسة البلاد للسنوات الخمس المقبلة. ونخلص نحن من جهتنا إلى أن القادة الثلاث مضطرون للتعاون فيما بينهم حول كل الملفات الساخنة المطروحة على العالم ولكن عن طريق التنازل المشترك والمتزامن عن المواقف المتصلبة التي تروج لها الدبلوماسيات الثلاثة قولا لا فعلا. ولنأخذ مثلا ملف الأزمة الخليجية وحصار دولة قطر بالذات لندرك أن كلا من الولايات المتحدة واتحاد الجمهوريات الروسية والصين الشعبية تحولت إلى موقف الحياد الإيجابي أي إلى الدعوات المتعاقبة من واشنطن وموسكو وبيجين الموجهة إلى دول الخليج العربي لتوخي الحوار وعدم التفريط في منظمة مجلس التعاون الخليجي وتنسيق الجهود لفك الحصار الذي لم تقتنع بمسوغاته الدبلوماسيات الثلاثة وهو ما يمكن اعتباره أملا دوليا لتجاوز الأزمة دون تعريض الإقليم لمواجهة مع إيران وتركيا في وقت تحتاج فيه القوى العظمى الثلاثة لفترة سلام طويلة وهي لم تحل بعد قضية التسلح النووي الكوري الشمالي ولم تجد مخرجا مقبولا من التورط التحالفي في اليمن الذي أصبح شعبه يعاني من الجوع والقصف والكوليرا وهو البلد الذي يقع في أخطر منطقة متوترة بين القارة الآسيوية والقارة الإفريقية. ولا بد من الإشارة إلى أن البيان الختامي لمؤتمر الحزب الصيني الذي اختتم أشغاله يوم 25 أكتوبر أضاف للدستور الصيني بنودا تتعلق بإعادة تفعيل طريق الحرير وتحميل الصين مسؤولية تحسين ظروف عيش البشرية قاطبة بالتضامن مع الأمم الأخرى فاقرأوا معي البند المتعلق بتحديد مصير النظام الصيني والذي جاء فيه حرفيا: "من 2020 إلى 2035 ستطور الصين مقدراتها لتصبح دولة اشتراكية حديثة آمنة قوية ديمقراطية عادلة عظمى" ورحبت التيارات الأمريكية بهذه التحولات فكتب (مايكل ستيجير) رئيس معهد شيلر لمدينة سان فرنسيسكو يقول للصحيفة الصينية (شاينا دايلي) يوم 25 أكتوبر: "إننا نرحب بتأثير الصين على السلام والتقدم في العالم" ثم إنا لا نستبعد أن يكون الثلاث الكبار اتفقوا على تكليف وزير خارجية ألمانيا يالإشارة إلى انشغال الاتحاد الأوروبي مما سماه الوزير يوم الجمعة 17 الشهر بالمغامرات السعودية. فالتنسيق بين العمالقة الثلاثة والدبلوماسية الأوروبية معروف وتم في عديد الأزمات كالأزمة اللبنانية وانتقال سعد الحريري إلى باريس ولقائه بالرئيس الفرنسي أمس السبت 18 وهو ما حدث باتفاق واشنطن وموسكو وبيجين بلا ريب.