12 سبتمبر 2025

تسجيل

محكمة الضمير

19 نوفمبر 2015

عندما تتسرب روح الإيمان في دم العبد المسلم، ويمتلئ قلبه بنور الله تعالى، تراه في جميع تصرفاته إسلامي الحركة، إنساني المواقف، رحيماً في المعاملة رقيقا في المعاشرة، يزن كل شيء بميزان الإسلام، وإن لم يوافق تقاليده وعاداته، ويبتغي بعمله رضا الله عز وجل، ولو كان مخالفا لنفسه وهواه، فهو فيض من الرحمات على الضعيف والصغير والمسكين، وأمواج من العطف والحنان لكل ذي حاجة من خلق الله تعالى، فهو من خير الخلق خلقا ودينا، يجل أخاه الإنسان ويعرف حقه عليه، فإن شريعتنا السمحة تعج بأخلاق عالية وأدب عظيم وفضائل عدة، لكن المصيبة غفلة كثير من المسلمين عن هذه الأخلاقِ والقيم، وتناسيهم لها وعدم عملهم بها، فينشأ الناس من غير أن يقيم لتلك الأخلاق وزناً، وكان المطلوب منا جميعا أن نربي أنفسنا التربيةَ الإسلامية الصحيحة على الأخلاقِ الإسلامية، التي يسعد بها الفَرد في حياته وآخرته، وما تأتي هذه التربية إلا من خلال محاسبة المرء نفسه ولومها عند النقص والعيب، وهذا هو حقيقة الضمير فهل يعد الضمير أحد الأعضاء الصماء في كيان الإنسان، شأنه شأن الأعضاء الأخرى التي تؤدي وظيفتها وفق نظام معين، وذلك بموجب قدرة الله تعالى الذي جعل لكل من تلك الأعضاء وظيفته، ويتضح لنا جليا أن الضمير ليس بالعضو الأصم في كيان الإنسان، وإنما هو صوت الحق والعدالة، والصواب في أنفسنا البشرية.. فما اجمل ان تبدأ محاكمة المخطئ من داخله فالضمير محكمة من أكثر المحاكم تشدداً، فهو الرادع الذي يهذب طباعنا والذي يوجه أفعالنا وتصرفاتنا، والذي يقف حائلاً أمام نقاط ضعف النفس البشرية، وهو بذلك ما يرقى بالإنسان وما يميزه عن جميع مخلوقات الله تعالى، فهذه محكمة سرية مخفية غير منظورة.. وصوت الضمير الذي هو صوت الحق والعدل والصواب هو صوت خافت لا يسمع دفوعه وحججه وتبريراته سوى الشخص الذي يقف أمام تلك المحكمة، ومهمة الضمير هي المحاسبة والردع واللوم وحتى مجرد التنبيه إلى ما قد نقع فيه من أخطاء قبل ارتكابها، خاصة في هذا العصر الذي يتكالب فيه البشر على المصالح الشخصية، بصرف النظر عن المبادئ الأخلاقية، فالضمير الحي يجعل المرء يعيش في سلام داخلي ويجعله ينعم بالسكينة طوال حياته، فمحكمة الضمير يجب أن تقوم على محاسبة المرء لنفسه لإصلاح الأخطاء كي يسود التراحم في المجتمعات، والتي تجعل الظلم يحل محل العدل والإنصاف.