13 سبتمبر 2025

تسجيل

يونامي .. تنهض من جديد

19 نوفمبر 2013

مكتب ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في بغداد (يونامي) يصدر بيانا ينتقد فيه أداء وسلوك الأجهزة الأمنية ويطالب بإعادة تأهيلها من أجل أن ينسجم سلوكها بمتطلبات احترام ومراعاة حقوق الإنسان، تطور نوعي يحسب للسفير بلغاري الأصل نيكولاي ميلادي نوف يأتي بعد فضيحة مواقف سلفه السفير الألماني الأصل مارتن كوبر الذي  كان متحيزا بشكل مقرف لحكومة نوري المالكي على الرغم من تقارير إدانة لمنظمات دولية رصينة تلاحق صدورها على مدى سنوات وهي لا تكف عن تسليط الضوء على الممارسات الهمجية والبربرية لتلك الأجهزة في قمع واضطهاد أبناء  الشعب العراقي، سكت عنها كوبلر على مدى سنوات، بينما تصدى لها ميلادينوف رغم حداثته في منصبه. لايختلف اثنان أن ملف حقوق الإنسان في العراق تدهور خلال السنوات الماضية  إلى حد خطير بعد أن فرطت حكومة نوري المالكي بشكل مباشر أو غير مباشر بجميع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، ابتداء من الاحتجاز القسري إلى التعذيب والسجون السرية والاغتصاب والابتزاز والقتل.. الخ الأمر الذي لم يترك للمنظمة الدولية بشخص أمينها العام أو ممثله في العراق من خيار أو عذر سوى أن يتحملوا مسؤوليتهم. التأهيل لا يفترض أن ينصرف للحديث عن إعداد وتدريب المنتسبين من أجل رفع كفاءتهم المهنية  فحسب، هذا لا يكفي بل المطلوب تفكيك المنظومة الأمنية وإعادة تركيبها على أسس مهنية ووطنية، ابتداء من مراجعة ملف المنتسبين، إلى التأهيل والتدريب، إلى السياقات وقواعد الاشتباك، إلى التجهيز والتسليح، إلى الوعي والثقافة.. التأهيل يستدعي إعادة النظر بالملف من ألفه إلى يائه. ولكن حتى لو تحقق ذلك وتعهدت بالملف أياد نظيفة وخبيرة فإن الملف الأمني في العراق سيبقى يعاني، وهذه المرة من مستوى ونوعية القيادة والسيطرة، وأقصد الجهة المسؤولة عن إدارة الملف الأمني، وهي مرتبطة بنظام الحكم القائم ، إذ يدير القائد العام للقوات المسلحة رئيس مجلس الوزراء الملف الأمني بشكل حصري ويحتفظ لنفسه بخمسة مناصب قيادية ترتبط بالأمن والقوات المسلحة والكل يعلم أن المالكي يدير الملف الأمني بتفاصيله المملة بنفسه لذا يتحمل شخصيا جميع الخروقات في ملف حقوق الإنسان، وبدون تأهيل الحكم في العراق لن يجدي نفعا تأهيل الأجهزة الأمنية لوحده، إنه مطلوب لكنه لايكفي. إنها خطوة للإصلاح في طريق طويل. لاشك أن الأمم المتحدة ولديها كم هائل من المعلومات والتقارير واثقة أن منشأ الخلل في إدارة الملف الأمني قدر تعلق الأمر بحقوق الإنسان يعود إلى عدم أهلية المنظومة الأمنية المؤلفة من السياسات الأمنية إلى القيادة والسيطرة وانتهاء بالأجهزة الأمنية التنفيذية  في الجيش والشرطة والمخابرات والأمن الوطني . ومن دون مراجعة موضوعية لهذه المنظومة فإن الاكتفاء فقط بتأهيل الأجهزة التنفيذية لن يحقق الغاية المرجوة على الإطلاق، ذلك أن حرمان حق الإنسان في الحرية أو حقه في التقاضي العادل أو الحط من الكرامة بالتعذيب والإذلال.. لايحصل في العراق فقط بسبب تراكم ثقافات خاطئة أو اختيارات عشوائية لرجال الأمن أو نقص في التعليم والتأهيل إنما يحصل  في المقام الأول  بفضل السياسات الأمنية التي يعتمدها المسؤولون عن الأمن والتي تسمح بحدوث الخروقات وتتجاهل سلوك رجل الأمن غير القانوني مع المواطن بل وتحصينه من الملاحقة القانونية متى خرق القانون والدستور. عندما تخرق الأجهزة الأمنية حقوق الإنسان على نطاق واسع وتتجاهل المعايير الدولية ويصبح هذا النمط من السلوك بمثابة عرف كما هو عليه الحال في العراق فنحن في هذه الحالة أمام نموذج الدولة البوليسية، ولست أدري في مثل هذه الحالة كيف نراهن على إصلاح الأجهزة الأمنية فقط ونترك بقية أطراف المنظومة الأمنية أي السياسات والقيادة رغم تأثيرها المباشر دون تغيير أو إصلاح . بل من المؤكد أن إصلاح الرأس سيقود إلى إصلاح الجسد وستكون المهمة في هذه الحالة أسرع وأسهل . يونامي انتقلت من القول إلى الفعل، هي تنهض من جديد حيث تتعامل مع القضية العراقية باهتمام أفضل ونأمل أن يكون ذلك مؤشرا حقيقيا لدخول المجتمع الدولي على خط الأزمة.