09 أكتوبر 2025

تسجيل

مقتل ابن الأَبَّار ..

19 نوفمبر 2013

* هو أبو عبدالله محمد بن عبدالله بن أبي بكر بن عبدالله بن أبي بكر القضاعي الأندلسي البلنسي، المشهور بـ"ابن الأَبَّار"، ولد في بلنسية سنة 595 هجرية، نشأ فيها وتخرج على أيدي علمائها. وكان شاعراً وكاتباً بارعاً بليغاً مما جعله يترأس وفد بلنسية إلى سلطان تونس أبي زكريا الحفصي وأنشده قصيدته السينية المشهورة مستصرخاً الملك على رد الإسبان عن بلنسية، فأجج في نفس الملك روح الحمية، وأرسل أسطوله لإعانة بلنسية، لكن العدو حال دون وصول تلك الإعانة إلى المدينة فسقطت بلنسية في يد ملك برشلونة الإسباني سنة 637 هجرية، فرحل ابن الأبار إلى تونس مع أهله بعد سقوط بلنسية، فقربه سلطان تونس أبوزكريا وولاه الكتابة وتوقيعاته، فلبث في هذا المنصب مدة ثم جعل السلطان أبا العباس أحمد بن إبراهيم الغساني مكانه في هذا المنصب، فاستاء ابن الأبار من تجريده من هذا المنصب، وأنف من إيثار غيره عليه، وهو من هو علماً وأدباً وبلاغة، وانقلبت النقمة إلى مجاهرة بالنقد للسلطان علانية، وأثناء غضبته أنشد متمثلاً قول المتنبي: أُطلُبِ العِزَّ في لَظًى وَذَرِ الذُّلَّ ولو كانَ في جِنانِ الخُلودِ فبلغ السلطان قول ابن الأَبَّار ونقده لفعله، فأمره بلزوم بيته وعدم الخروج منه.. فلما جلس ابن الأَبَّار مع نفسه أدرك سوء قوله وعمله فأخذ يعتذر إلى السلطان: لمبشِّري برضاكَ أن يتحكَّما لا المالَ أستثني عليهِ ولا الدَّما ندمي على ما ندَّ مني دائمٌ وعلامة الأوَّابُ أن يتندَّما فعفا عنه السلطان وأعاده للكتابة.. وزادت مكانة ابن الأَبَّار في عهد الخليفة المستنصر ابن أبي زكريا، ولكن ابن الأَبَّار قابل هذه اليد البيضاء بالطعن في قرارات السلطان والتطاول عليه، فأخذ السلطان يتجاهله في مجلسه ولا يعيره اهتماماً فقال ابن الأَبَّار في ذلك:   أَمري عَجيبٌ في الأمورِ بَينَ التَّوارِي والظُّهورِ مُستَعمَلٌ عندَ الـمُغَيَّبِ ومُهمَلٌ عندَ الحضورِ * وقال أيضاً: عَلَتْ سِنِّي وقَدرِي في انخفَاضِ وَحُكمُ الرَّبِّ في المربوبِ مَاضٍ إلى كَمْ أسخطُ الأقدارَ حَتَّى كأنِّي لم أَكُنْ يَوماً بِراضِي وذات يوم كان السلطان المستنصر في مجلسه وابن الأَبَّار أيضاً، فسأل السلطان عن مولد ولده الواثق، فغدا ابن الأَبَّار في اليوم برقعة فيها تاريخ الولادة وطالعها الفلكي، فلما رآها المستنصر استشاط غضباً من فضول وتطفل ابن الأَبَّار، وكانت وشايات الحساد قد أوغرت صدر المستنصر عليه، وقد اتهمه خصومه بأنه كان ينظر في النجوم ويدعي علم الغيب، فأمر السلطان بالقبض عليه ومصادرة مؤلفاته وكتبه، وعهد إلى غريمه الكاتب أحمد بن إبراهيم الغساني بتفتيش كتبه للبحث عن إثبات لنقده للمستنصر، وأثناء البحث عثر – كما يزعم – على رقعة فيها هجاء للسلطان كقوله: طَغى بتونسَ خَلفٌ سَمُّوهُ ظلماً خَليفهْ * وقوله: عَقَّ أباهُ وجفا أمَّهُ ولم يُقلْ من عشرةٍ عمَّهُ كما عثر في كتاب سمَّاهُ "كتاب التاريخ" على ما يسيء إلى المستنصر، فغضب عليه وأمر بضربه بالسياط وقتله بالرماح، ثم إحراق جثته وأحرقت معه جميع دواوينه، وكان ذلك في 21 المحرم 658 هجرية. * ومن عيون شعر ابن الأَبَّار قصيدته السينية التي أنشدها في حضرة السلطان أبي زكريا بطلب منه نجدة بلنسية التي منها: أَدْرِكْ بِخَيْلِكَ خَيْلِ اللَّهِ أندلُسَاً إنَّ السَّبِيلَ إلَى مَنْجاتِها دَرَسَا وَهَبْ لهَا مِنْ عَزيزِ النَّصْرِ مَا الْتَمَسَتْ فَلَمْ يَزَلْ مِنْكَ عزُّ النَّصْر مُلْتَمَسا وَحاش مِمَّا تُعانِيهِ حُشَاشَتهَا فَطَالَما ذَاقَتِ البَلوَى صَبَاحَ مَسَا يَا للجَزيرَةِ أَضْحَى أَهلُها جَزَراً لِلحَادِثَاتِ وأَمْسَى جَدُّهَا تَعِسا في كُلِّ شارِقَةٍ إِلْمَامُ بَائِقَةٍ يَعُود مَأتَمُا عِندَ العِدَى عُرُسا وكُلِّ غَارِبَةٍ إِجْحَافُ نائِبَةٍ تَثْنِي الأَمَانَ حِذاراً والسرُور أَسَى تَقَاسَمَ الرومُ لا نَالَتْ مَقَاسِمُهُم إِلا عَقَائِلَها المَحْجوبَةَ الأُنُسَا وَفِي بَلَنْسِيةٍ مِنْها وَقُرْطُبَةٍ ما يَنْسِفُ النَّفسَ أَو ما يَنزِفُ النَّفَسا مَدائِـنٌ حَلَّها الإشْرَاكُ مُبْتَسِماً جَذْلانَ وارتَحَلَ الإِيمانُ مُبْتَئِسا وَصَيَّرَتْها العَوادِي العَابِثاتُ بِها يَسْتَوحِشُ الطَّرْفُ مِنْها ضِعْفَ ما أَنِسا فَمِنْ دَسَاكِرَ كانَتْ دُونَهَا حَرَساً وَمِنْ كَنَائِسَ كَانَتْ قَبْلَها كُنُسا يَا للْمَساجِدِ عَادَتْ للعِدَى بِيَعاً ولِلنِّداءِ غَدَا أَثْناءَها جَرَسا لَهْفِي عَلَيها إلَى استِرجَاعِ فائِتِها مَدارِساً لِلْمَثانِي أصبَحَتْ دُرُسا وَأَربعا نمْنمَـتْ يُمْنَى الرَّبيعِ لَها ما شِئت مِنْ خِلَعٍ مَوْشِيَّةٍ وكِسا كانَتْ حدَائِقَ للأَحْدَاقِ مؤنِقَةً فَصَوَّحَ النَّضْرُ مِن أَدْواحِها وَعَسا وسلامتكم...