14 سبتمبر 2025
تسجيللا يتورع قطعان بني صهيون عن صب نيرانهم وكراهيتهم, لا يهمهم اتفاقيات وقعوها مع هذا الطرف أو ذاك كل ما يهمهم هو فرض هيمنتهم وسطوتهم على المنطقة والعرب وبالذات الفلسطينيين الذين يشكلون بصمودهم ومثابرتهم وقدرتهم على التصدي لعدوانيتهم المفرطة بالرغم من قوتهم المحدودة. لا يختلف العدوان على قطاع غزة عن هذا السياق الذي لم يتوقف منذ ما أطلق عليه الانسحاب من طرف واحد خلال حكم الإرهابي أريل شارون في عام 2005 وسوف يستمر مادام الفلسطينيون يفضلون خيار الانقسام عوضا عن الوحدة ورص الصفوف وما دامت الأمة العربية مصرة على المضي في اتجاه التشظي وتكريس حالة الدولة القُطرية بدلا من الدخول في أي مشروع تكاملي ولا يفعلون اتفاقية الدفاع العربي المشترك التي لم تشهد حركة نشطة إلا عندما تحركت الجيوش العربية ضد دولة عربية إثر قيام العراق بغزو الكويت في أغسطس 1990 وهو أمر لا اعتراض عليه ,فقد كان ضروريا لتحرير الكويت من هذا الغزو غير المبرر الذي اتضح فيما بعد أنه لم يكن بمنأى عن المخططات الأمريكية لتقويض قدرات الجيش العراقي وإدخال المنطقة في صراع عربي عربي ولاشك أن القيادة العراقية آنذاك ارتكبت خطيئة التجاوب مع المخطط سواء بإدراك أو دون إدراك وهو ما أدخل المنطقة منذ ذلك التاريخ في موجات من الاحتقانات والتداعيات السلبية والتي دفعت ثمنها من مقوماتها وطاقاتها وقدراتها صحيح أن وزراء الخارجية العرب تبنوا خلال اجتماعهم الطارئ بالقاهرة مساء أمس الأول جملة من القرارات التي تشكل تحولا نوعيا في الخطاب السياسي العربي تجاه عدوانية الكيان الصهيوني من قبيل المطالبة بوقف كافة أشكال التطبيع مع الكيان وإعادة النظر في مبادرة السلام العربية بل وفى عملية السلام برمتها بيد أن مثل هذه الخطوات لا تعيرها النخبة السياسية والعسكرية التي تقود قطعان بني صهيون الانتباه الكامل فهي لن تجبره على التراجع عن مخططاته التوسعية والعدوانية. ومع ذلك فإن المرء يعتبر هذا التحول في مسار تعامل النظام الإقليمي العربي مع الكيان تطورا إيجابيا ينبغي البناء عليه وتحويله من دائرة الشعارات التي أراحت بقدر ما المقاومين في غزة وفي مختلف أنحاء فلسطين وخاصة ما يتعلق بالإسراع بوقف خطوات التطبيع وتقديم كل أشكال الدعم المادي والمالي والسياسي للشعب الفلسطيني والوفاء بشبكة الأمان التي قررتها غير قمة عربية خلال الأعوام الثلاثة الفائتة. ووفق قراءاتي لوقائع الشعوب التي كابدت الاحتلال على مدى التاريخ فإن العنصر الفاعل والقادر على قصم ظهر عدوانية قطعان بني صهيون هو امتلاك القوة والقوة وحدها، وبكل معانيها وتجلياتها وعناصرها وهو ما يفتقر إليه العرب والفلسطينيون وفي الوقت نفسه تغيب عنهم الإرادة السياسية لاستخدام ما لديهم من أوراق ضغط - أو قل تجاوزا قوة – ولن يكون من بين هذه الوسائل الكلام أو الاتصالات الدبلوماسية المكثفة التي يحرص عليها الجانب العربي مع هذا الطرف الدولي أو ذاك وإن كنت لا أقلل من شأنها بحسبانها تظهر حرص النظام الإقليمي العربي على الخيارات السياسية والتي تعد مقبولة من حيث الشكل في النظام الدولي الراهن غير أن التعامل مع كيان بهذا القدر من العدوانية والشعور المفرط بغطرسة القوة لا تجدي معه هذه الوسائل فهي بعيدة عن ذهنية النخبة السياسية والعسكرية التي تحكمه والتي تربت عقائديا على منطق الإبادة والتطهير العرقي للعرب والفلسطينيين وبالتالي يتعين التفكير فيما هو مجد وفاعل وقف هذه العدوانية والتي تتمحور في تقديري فيما يلي: أولاً: العمل على وضع إستراتيجية حقيقية وليست شكلية باتجاه إعادة بناء مقومات القوة العربية سياسيا واقتصاديا وعسكريا وأمنيا ولعلنا نتذكر أن الزعيم العربي الراحل جمال عبدالناصر عندما بدأ في الاستعداد لتجاوز هزيمة يونيو 1967 لم يركز على الخطط الحربية فحسب وإنما وظف كل إمكانات مصر بالتنسيق مع الدول العربية في كل القطاعات مما شكل أرضية قوية استندت إليها تحرك الجيشين المصري والسوري في تحقيق انتصار أكتوبر 1973. ثانياً: من الضروري أن توقف الدول العربية كل أشكال التطبيع مع الكيان سواء الديبلوماسي أو الاقتصادي أو حتى التنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني، فثمة عواصم عربية ما زالت تحتفظ بسفرائها لدى الكيان وتحتفظ بسفرائه وهو أمر بات لا يتسق مع حالة السيولة العدوانية التي يتسم بها أداء الكيان مع الدول العربية ويمكن أن تقتدي باقي الدول العربية بالخطوات التي قررها الرئيس الدكتور محمد مرسي باستدعاء السفير المصري من تل أبيب وتقديم احتجاج شديد اللهجة لسفير الكيان بالقاهرة مما دعاه إلى مغادرة العاصمة المصرية بليل ربما خوفا من تكرار وقائع الهجوم على سفارة كيانه في أكتوبر من العام المنصرم والتي كانت كائنة بكورنيش النيل. وبمناسبة مصر فإنه بات يتعين على حكومتها التخلي عن اتفاقية الكويز التي تحمل رجال الأعمال المصريين عبء المواد الخام التي يقدمها الكيان لبعض المنتجات المصرية المصدرة إلى الولايات المتحدة ووفقا لمعلوماتي فإن هناك تبرما من قبل رجال الأعمال من ذلك خاصة أن سلطات الكيان تصر على فرض أسعار باهظة للمكونات التي تقوم بإرسالها إلى مصر وأنها لا تشكل سوى نسبة ضئيلة من المنتج الذي يقومون بتصنيعه. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الاتفاقية تم التوقيع عليها خلال حكم نظام مبارك الذي قدم تنازلات عديدة للكيان واستجاب لضغوط واشنطن التي اشترطت إضافة المكون الصهيوني في المنتجات المصرية في الوقت الذي رفضت فيه إبرام اتفاقية التجارة الحرة حتى تغلق أبواب التواصل المباشر مع مصر على الصعيد التجاري وهو ما يطالب به رجال الأعمال المصريون. ثالثاً: هناك جوانب من العلاقات الخفية بين دوائر عربية من قبيل رجال أعمال وأجهزة أمن واستخبارات ومراكز البحوث العلمية وغير ذلك وهو ما يستوجب اتخاذ خطوات حاسمة بوقفه حتى يشعر الكيان بأنه معزول وغير مرغوب فيه ولا في التعاون معه وليس ثمة حاجة للاستفادة من أي إمكانية لديه والأهم تطبيق قرارات المقاطعة الاقتصادية مع كل الشركات التي تتعامل مع الكيان وفي هذا السياق فإنه يتعين على دول مجلس التعاون الخليجي التخلي عن قرار اتخذته قبل سنوات في سياق دعمها للسلام الذي لم يتحقق أبدا بإلغاء المقاطعة مع الكيان من الدرجة الأولى وهو أمر استفاد منه الكيان الذي يضع عينه دوما على منطقة الخليج التي ينزع إلى الاستفادة من فوائض أموالها في تكريس مشروعه الاستيطاني الاستعماري في المنطقة. في قناعتي أن الكيان الصهيوني لا يمتلك رغبة حقيقية في السلام مع العرب بالرغم من كل ما قدموه له من تنازلات ومبادرات لكنه لم يحترمها أبدا بل تعامل معها باستخفاف مثلما ما فعل مع المبادرة العربية التي أقرتها قمة بيروت في عام 2002 ومن ثم فإنه يجب التفكير في خطوات مستقبلية تعيد بناء القوة العربية استعدادا لاستعادة فلسطين كل فلسطين. السطر الأخير : أيا مسافرة عودي إلى خيمتي اغزلي مسافة عشقي أنا في انتظارك متكئا على قصائدك القديمة لا تبرحي كوني هو لك، وأنت لي قلبك حنطتي الأخيرة وعيناك حضور الروح في أزمنة الغياب