13 سبتمبر 2025
تسجيللأوربا وأميركا وجهان عبر التاريخ. وجه داخل بلادهم من ثورات وانتفاضات من أجل الحرية والمساواة، ووجه خارج بلادهم لاستعمار البلاد الضعيفة، واستغلال ثرواتها وقتل شعوبها وتجارة العبيد. الوجه الثاني ابتعد عن المشهد كثيرا لكنه ظهر واستمر مع زرع اسرائيل في فلسطين تحت وهم أرض الميعاد التي وعد الله بها اليهود بعد الشتات، والحقيقة أنه سياسيا كان طريقة انجلترا لإضعاف الأمة العربية التي كانت تذهب إلى الاستقلال عن الاستعمار، سواء البريطاني أو الفرنسي أو الإيطالي، وهؤلاء هم من استعمروا معظم بلادنا العربية. طبعا لن أتحدث عن المحارق التي اقامتها أوروبا عبر التاريخ لليهود، وكان لزرع دولتهم في فلسطين وجه الاعتذار عن جرائمهم على حساب شعب آخر. إنجلترا هي التي زرعت دولة جنوب أفريقيا التي احتاجت أكثر من قرنين دفع فيها السكان الأصليون أثمانا باهظة حتى صارت دولة ديموقراطية تتسع للجميع. وهي التي زرعت إقليم كشمير بين الهند وباكستان ليظل شوكة بينهما. كانت تعرف انها سترحل عن مستعمراتها، فتركت خلفها ما يهدد هذه المستعمرات. في عالمنا العربي قبل وبعد إعلان دولة إسرائيل، شهدت الأراضي الفلسطينية وشعبها العربي مذابح يطول الحديث عنها. في كل هذه المذابح لم تكن أوروبا ولا أميركا بعيدة عن دعم الإسرائيليين الذين يقيمون المستعمرات ويسمونها مستوطنات، وهي لم تكن وطنا لهم من قبل قط، بل هي وطن الفلسطينيين. سكان هذه المستعمرات هم جنود في الجيش الإسرائيلي وقت السلم ووقت الحرب، ومعظم النازحين إليها ارتكبوا الفظائع وظلوا يحملون جوازات سفر مزدوجة، واحد إسرائيلي وواحد باسم الدولة التي جاءوا منها، خشية يوم للخروج العظيم. في كل تلك الحروب والمذابح كانت الأخبار تأتي للصحف والإذاعات، لكنها لم تكن بسرعة هذا العصر الذي صارت فيه السوشيال ميديا طريق الإعلام لا يغيب ثواني عما يحدث. تجتمع الحكومات الأوروبية، وبالذات التي لها تاريخ استعماري مثل انجلترا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا ومعهم أميركا، في دعم الهجوم البربري على أهل غزة وبيوتها ومستشفياتها ومدارسها وقطع المياه والكهرباء وكل شيء. إجماع لم نشهده من قبل لاختلاف وسائل التواصل، لكنه يوضح بجلاء أن الوجه الآخر لهذه الدول، من استعمار دول أخرى وقتل شعوب ونهب ثروات وتجارة في البشر، هو السائد في سياستها الخارجية ولم تتخلص منه مهما كانت اعذارهم بسبب محارقهم لليهود التي لم نفعلها نحن ولا شعب فلسطين. كلهم يرددون الأكاذيب عن حماس وكتائب القسام مثل أنهم يذبحون الأطفال ويغتصبون النساء، وفي نفس اللحظة تظهر الحقيقة أن الإسرائيليين هم من يفعلون ذلك، وتستمر هذه الدول في بغيها. بل اتسع نشاطها فصارت تمنع التظاهر دعما لفلسطين في بلادها، وتعتقل من يرتدي كوفية فلسطينية، وترفع صورة أي مشهور يعترض على ما تفعله إسرائيل من سجلاتها أو أنشطتها، وتعاقبهم على تغريدات لهم على تويتر أو الفيسبوك الذي صار بدوره يمنع أي حديث إيجابي عن الفلسطينيين، هو وبقية المواقع باستثناء تويتر الذي ظل متسعا إلى حد ما، لكن ولقد قرأت وأنا أكتب هذا المقال أن تويتر تراجع أيضا عن ذلك بعد طلب الاتحاد الأوروبي منه أن يمنع أي مناصرة لفلسطين. هذا الاجماع الهمجي على نصرة اسرائيل بما سبق وقلته، وبالسلاح أيضا، يذكرني بمسيرة التاريخ. فعلى طول التاريخ تصل دول إلى أعلى القمة لتسقط من جديد وتخرج من التاريخ. إنهم يرفعون من إسرائيل لأكثر من قيمتها وقدرتها، وهذا يعني عودة التاريخ إلى مساره، فستسقط اسرائيل حلم الصهيونية البشع.