11 أكتوبر 2025
تسجيلنتفق جميعا على ان للروائح ذاكرة، من منا مرت رائحة ما لأنفه فتذكر شيئا ما مرتبط بهذه الرائحة بالذات، حتى ان مررت بجوار متجر للمخبوزات، قد تجد لسان حالك يقول ما هذه الرائحة انها تذكرني بأمي. وللروائح لغة راقية، تثير ذكرى هاجعة تراكمت فوقها ذكريات كثيرة، ومع ذلك عندما تتسلل رائحة معينة الى انوفنا، سرعان ما تتجلى ذكرى ربما تكون ذكرى سعيدة او مؤلمة. فهذه رائحة عطر البنفسج، بمجرد ان تسللت الى حاسة الشم لدي؛ شعرت كأنني سقطت في فجوة زمنية، سرعان ما وجدت نفسي عدت بالزمن الى المقاعد الدراسية، وسط صديقاتي بكل تفاصيل تلك اللحظة، وما اجملها من ذكرى، فهي نهاية العام الدراسي، نتبادل الصور الشخصية، ونكتب على خلفية الصورة (للذكرى الخالدة، فالذكرى ناقوس يدق في عالم النسيان) كما لو أننا نعلم انه قد لا نلتقي مرة ثانية. فهذه وسيلتنا لنتذكر تلك الايام عندما يفرقنا الزمن، والغريب برغم صغر عمرنا، كنا نبتاع العطور الرخيصة كل حسب ميزانيته، ونغرق أنفسنا بهذه العطور، ونقول فيما بعد عندما نشتم تلك الرائحة سنتذكر بعضنا البعض، اكاد اقسم اني اسمع ضحكاتهن وهن يفرغن زجاجات العطر، ويحاولن تفاديها، اسرعت لصندوق ذكرياتي، انبش فيه اخرج منه، دفاتر مذكراتي، هل أنا حقا كتبت هذا!. أجد صور صديقاتي، انظر للصور بلهفة وفضول، ترى كيف اصبحن الآن؟ هذه صورة جماعية، ادقق فيها، اتذكر الوجوه ولكن لا اتذكر الاسماء، ولكن أتذكر هذا المكان، انه حديقة الحيوان، نعم لاني في هذا اليوم بكيت لأن احد القردة اختطف من يدي كيس الفول السوداني، بكيت كما لو ان الدنيا انقلبت، واسرعت معلمتي تكفكف دمع عيني بمحرمتها الحريرية، والتي بالمصادفة معبقة برائحة البنفسج، فلم يكن بهذا الزمن المحارم الورقية، مددت يدي للصندوق، فلامست اناملي مسبحة ابي من خشب الورد، ما هذه المفاجآت، كنت كطفلة تلهو بذكرياتها، الغريب ان رائحة البنفسج عبيرها ملأ انفي، فهمت ان احد هذه الخطابات مصدرها انها من صديقاتي، كل اسبوع يصلني منهن خطابان او اكثر خلال الاجازة، حتى أصبح ساعي البريد فردا من الاسرة من كثرة حضوره عندنا، ومع مشاغل الحياة بدأت زيارات ساعي البريد تقل رويدا رويدا حتى اختفى، تناولت منهم خطاب بلون البنفسج، وفتحته برفق حتى لا يتمزق، ومع اول كلماته، تدفقت الدماء لوجنتي، فقد كان خطابا غراميا بريئا كبراءة ايامنا، ألا زلت احتفظ بهذا الخطاب! عجيب ولامس دفتر يدي فأخذت وفتحته لأرى ما به، يا الله انه دفتر وجبات ابني المدرسية، وفجأة انسحبت الذكريات من امامي، وانسحبت أنا أيضا من فجوتي الزمنية، الى الواقع والمسؤولية، ولم اكن ادري ان هذه اللحظات قد جددت خلايا عمري، واعادت لي طاقه ظننتها نفدت منى، لملمت ذكرياتي واعدتها للصندوق وفي الخزانة اودعتها بوعد بلقاء آخر، عندما أشتم رائحة البنفسج.