12 سبتمبر 2025
تسجيلثمة مفترق طرق تواجهه القضية الفلسطينية في المرحلة الراهنة يدفع بها، إما إلى إحداث اختراق في جدار الجمود المهيمن على مساراتها التفاوضية منذ أكثر من عامين، أو يدخلها في دائرة التوتر الذي قد يفجر انتفاضة فلسطينية ثالثة تكون أكثر حدة من انتفاضتي 1988 و2000 بدت نذرها تلوح في الأفق، ربما تنتهي باجتياح إسرائيلي لمدن الضفة وفقا لتهديدات حكومة بنيامين نتنياهو، مما يعيد الأوضاع في فلسطين إلى مربع شديد الخطورة، الأمر الذي يحاول الجانبان: السلطة الوطنية وسلطات الاحتلال تجنبه بشكل أو بآخر لفرط كلفته وعبئه السياسي والاقتصادي والأمني عليهما، بيد أن الممارسات العدوانية لهذه السلطات التي تقدم الإسناد اللوجيستي بكل أنماطه، لقطعان المستوطنين في اقتحاماتهم اليومية للمسجد الأقصى - قدس أقداس فلسطين – والاستمرار في المشروع التهويدي للقدس المصحوب بالاعتداءات على سكانها العرب، وطردهم من منازلهم وإحلال المستوطنين اليهود محلهم فيها، وتبنى منهجية الاستخدام المفرط للقوة - وفق تعبير المتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية يوم الأربعاء الماضي - ضد مختلف فئات الشعب الفلسطيني، بما في ذلك الأطفال وفرض كافة أنواع الحصار عليه من خلال تكثيف الحواجز الأمنية التي تطبق أسوأ الإجراءات المشددة وأشدها بشاعة في العالم، دفعت الرئيس الفلسطيني محمود عباس – أبو مازن- إلى محاولة وضع حد للالتزام الفلسطيني بالاتفاقيات الموقعة مع الجانب الإسرائيلي، وهو ما تجلى في خطابه أمام الدورة السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة في الثلاثين من سبتمبر الماضي، الذي أكد فيه أن الفلسطينيين لا يمكنهم الاستمرار بالاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل ما دامت مصرة على عدم الالتزام بها وترفض وقف الاستيطان والإفراج عن الأسرى وطالبها – أي إسرائيل - بأن تتحمل مسؤولياتها كافة كسلطة احتلال لأنّ الوضع القائم لا يمكن استمراره، ولاشك أن هذا الموقف يعكس اتساع نطاق اليأس لدى أبو مازن بالذات، الذي ظل على مدى سنوات توليه رئاسة السلطة الوطنية، مدافعا عن خيار التفاوض مع إسرائيل، ورافضا بشدة لعسكرة الأعمال الاحتجاجية ضد ممارساتها وانتهاكاتها، وكثيرا ما ندد علنا بعمليات مقاومة ضد جنودها ومستوطنيها ومؤسساتها، ومازال على الرغم مما تقوم به سلطات الاحتلال من أعمال قتل واعتقال عشوائي للشباب الفلسطيني، يدعو إلى ضبط النفس، وقد عقد اجتماعا مع المجلس العسكري والقيادات الأمنية بالسلطة - مؤخرا – شدد خلاله على "اليقظة والحذر وتفويت الفرصة على المخططات الإسرائيلية الهادفة إلى التصعيد وإعادة الوضع في الأراضي المحتلة إلى مربع العنف".وبغض النظر عن كل تلك العوامل والأسباب التي دفعت الرئيس عباس لتبني هذا التوجه، فإنه يعتبر من الناحية السياسية نهاية فعلية لمرحلة أوسلو، وبداية لمرحلة جديدة من عمر النضال الوطني الفلسطيني، الأمر الذي سوف يترك تداعيات وانعكاسات على النظام السياسي الفلسطيني بشكل عام، وعلى مستقبل السلطة الوطنية الفلسطينية بشكل خاص، إن تحول إلى خطوات فعلية على الأرض، مما يفتح الباب أمام مجموعة من البدائل أمام القيادة الفلسطينية، أولها: قيام منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة في شخص أبو مازن، باتخاذ إجراءات أكثر تصعيداً في العلاقة مع إسرائيل، خصوصاً في ظل تصاعد الإجراءات الإسرائيلية في القدس ومحاولتها فرض تقسيم زماني ومكاني للمسجد الأقصى المبارك والتي تساهم في توتير الأجواء الدينية والسياسية، وذلك من خلال إعلانه حل السلطة الوطنية الفلسطينية، ودمج مؤسساتها الإدارية والأمنية في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وإلغاء مجلس الوزراء وتحويل كافة صلاحياتها للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. ثانيا: العودة السريعة لمظاهر الانتفاضة الشعبية وبروز لدور الأجنحة المسلحة في الفصائل الفلسطينية، مما يعني عودة المواجهة مع الجيش الإسرائيلي في كل من قطاع غزة والضفة الغربية. ثالثا: انتظار القيادة الفلسطينية لبعض الوقت قبل اتخاذ أي إجراء جديد، بهدف إعطاء الجهود الدولية والعربية فرصة أخيرة للتحرك والخروج من أزمة تجميد عملية السلام وانسداد الأفق السياسي، خصوصاً في ظل التحرك الأمريكي والفرنسي الأخير في الأمم المتحدة، والحديث عن طرح فرنسا مبادرة سياسية ترتكز على إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يحدد سقفا زمنيا لإنهاء المفاوضات وقيام دولة فلسطينية بحلول عام 2017.وفي هذا السياق تأتي تصريحات وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي "موجيريني" التي تحدثت عقب اجتماع اللجنة الرباعية الدولية المعنية بالسلام في الشرق الأوسط الذي عقد على هامش الدورة الـ70 للجمعية العامة للأمم المتحدة، موضحة أن "الرباعية" قررت إعادة إحياء أنشطتها، مشددة في الوقت ذاته على الضرورة الملحة لضبط النفس عقب التوترات الأخيرة في القدس الشرقية المحتلة ومحيط المسجد الأقصى، محذرة من إمكانية تصعيد واسع في القدس المحتلة، مطالبة إسرائيل إلى تنفيذ الاتفاقيات مع الفلسطينيين، والذين دعتهم بدورهم العودة إلى خيار المفاوضات المباشرة، وذلك قد يعني أن تهديدات أبو مازن في الأمم المتحدة قد حققت المطلوب منها، من خلال إعادة الاهتمام الدولي بالقضية الفلسطينية، وأن إصراره على عدم استمرار الأوضاع على ما هو عليه قد حقق إنجازا سياسيا بعودة القضية الفلسطينية إلى دائرة الاهتمام الدولي، ما قد يدفع القيادة الفلسطينية إلى إعطاء الجهود الدولية بشكل عام والفرنسية بشكل خاص فرصة أخيرة قبل كتابة شهادة وفاة لاتفاق أوسلو.لقد أعطى الاجتماع الطارئ الأخير لمجلس الجامعة العربية على مستوى المندوبين، أملا بإمكانية تغيير الخطاب الرسمي تجاه القضية الفلسطينية، ويأتي في هذا الإطار التوجه الفلسطيني للتقدم بمشروع قرار لإرسال قوات دولية للقدس وللأراضي المحتلة، للمساعدة في وقف الاعتداءات الإسرائيلية - وفق ما كشف عنه مؤخرا السفير رياض منصور المندوب الفلسطيني الدائم لدى الأمم المتحدة - ولو نجح هذا التحرك دون أن يتم استخدام الفيتو الأمريكي، فإنه يمكن أن يمثل تطورا نوعيا قد يدفع الأمور باتجاه التهدئة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، تمهيدا لبلورة ملامح تحرك جاد نحو استئناف مفاوضات السلام - حسب ما يسعى إليه جون كيري وزير الخارجية الأمريكي الذي يستعد للقيام بجولة مكوكية إلى المنطقة قريبا، وإن كانت هناك دوائر فلسطينية ترى ضرورة الاستغناء عن آلية التفاوض المباشر واللجوء إلى صيغة المؤتمر الدولي للسلام بمشاركة الدول الخمس الكبرى الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن أو تبني صيغة قريبة من صيغة 5+1 التي نجحت في إنهاء أزمة الملف النووي الإيراني من خلال اتفاق فيينا في يوليو الماضي.