18 سبتمبر 2025
تسجيلللكثير من الكتاب والأدباء طقوس خاصة في الكتابة لا يأتيهم الإلهام بدونها ولا تنطلق أقلامهم إذا لم يستجيبوا لسطوتها، ومن هذه الطقوس ما يأخذ لدى البعض منهم صفة الإلزام والقسر، بحيث يجد الكاتب نفسه منساقاً لها واقعاً تحت تأثيرها حتى إنه لا يستطيع كتابة حرف دون الإستسلام لها. ومن هذه الطقوس ما يبدو غريبا وعجيبا، وقد تحدث الكتاب أنفسهم عنها أو وصفها أصدقاؤهم ومريدوهم، فبعضهم لا يكتب إلا في مكان معين اعتاد على الكتابة فيه، وبعض الكتاب لايكتبون إلا بقلم واحد أو نوع خاص من الورق، ولدى فقدان أو ضياع هذا القلم أو الورق يمسك الكاتب عن كتابة حرف واحد بل تجده يصاب بحالة من الكآبة والحزن، ومن بين هذه الطقوس وتلك نجد شاعر العربية الأعظم أبو الطيب المتنبي يصوغ أبياته الرائعة على ايقاعات خطواته، ويقال إن الشاعر الكبير أبو تمام كان يكتب في غرفة حارة بعد أن يرش أرضها بالماء، كما يروى عن الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري انه في لحظة الإلهام كان يقوم بغناء المقامات العراقية القديمة وهو جالس في الحمام. كما عُرف عن الكاتب المصري العالمي نجيب محفوظ انضباطه الشديد ودقته في استغلال الوقت حيث يستيقظ يومياً الساعة الخامسة فجراً ويمشي لمدة ساعة كاملة ثم يعود للمنزل ليكتب بين الساعة السادسة والثامنة صباحاً واستمر على هذا النظام حتى سنين شيخوخته الأخيرة. بينما كان الشاعر نزار قباني يستلقي على الأرض وأمامه عددهائل من الأوراق الملونة ليستمد منها الألوان التي يضفيها على قصائده العاطفية. اما الأديب والفيلسوف الفرنسي الكبير فولتير فلم يكن يستطيع الكتابة الا إذا كانت أمامه مجموعة من أقلام الرصاص وبعد أن ينتهي من الكتابة يحطمها ويلفها في الورقة التي كتب عليها ثم يضعها تحت وسادته وينام. ويقال إن الشاعر والأديب والكاتب المسرحي الفرنسي جان كوكتو كان لا يكتب كلمة إلا إذا وضع أمامه كوباً مقلوباً فوق عقرب حي. ومن طقوس الكتابة لدى الأديب الروسي الكبير فيدور ديستوفسكي انه كان يقرأ أولاً ما كتبه بصوت عالٍ حتى إذا اقتنع استمر في الكتابة، بينما كان ألبير كامو الأديب الفرنسي الجزائري المولد يكتب واقفاً أمام شرفة مفتوحة، وكذلك كان الشاعر الأيرلندي جيمس جويس يفعل إذ لا يأتيه الإلهام إلا واقفاً. بينما الكاتب الايرلندي صموئيل بيكيت مؤسس مسرح العبث كان لايتمكن من الكتابة إلا وهو جائع، أما الشاعر الفرنسي رامبو فقد كان لايأتيه إلهام الشعر إلا في القطارات المتحركة، وكان الفيلسوف الوجودي الفرنسي جان بول سارتر يأخذ حبيبته سيمون دو بوفوار إلى انفاق مترو باريس ويشرح لها الفكرة التي طرأت في ذهنه، فإذا لمس لديها اهتماماً عمد إلى كتابتها وتدوينها. أما الكاتب الكولومبي الشهير غابريال غارسيا ماركيز الحائز على جائزة نوبل للآداب فكان لا يكتب الا على آلته الطابعة ولا يكتب على أي آلة طابعة أخرى. ومهما كانت طقوس هؤلاء الأدباء والشعراء غريبة إلا إنهم بفضلها أضافوا للأدب والثقافة الإنسانية الشيء الكثير، وربما لولا هذه الطقوس الغريبة لما أتحفنا المتنبي بشعره ولا استمتعنا بروايات نجيب محفوظ وديستوفسكي وغارسيا ماركيز، ولما أثرت أفكار فولتير في الثورة الفرنسية التي غيرت وجه أوروبا وأجزاء أخرى من العالم.