01 نوفمبر 2025

تسجيل

هيكل وانقلاب يوليو

19 سبتمبر 2013

جاءت الدعوة التي وجهها الصحفي محمد حسنين هيكل للقياديين في حزب الحرية والعدالة عمرو دراج ومحمد بشر للحوار حول الأزمة المصرية، بمثابة تأكيد للإشاعات التي كانت تتحدث عن دور هيكل في الانقلاب الذي وقع في 3 يوليو الماضي، والذي جاء بعد لقاءات متعددة مع قادة في الجيش المصري على رأسهم وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي بدون سبب منطقي يدعو لهذه الاجتماعات. هذا فضلا عن اللقاءات التي جمعت الصحفي الكبير بقادة حركة تمرد التي صنعتها المخابرات الحربية من أجل إيجاد ظهير شعبي للانقلاب الذي خطط له الجيش طوال شهور عديدة. لكن لم تكن تلك هي المؤشرات الوحيدة التي أشارت إلى علاقة هيكل بالانقلاب، بل كانت هناك مؤشرات أخرى لا تقل أهمية، منها الطريقة التي تم بها تنفيذ الانقلاب والتطورات التي لحقت به. فهي تمثل نسخة كربونية من الانقلاب الذي وقع في عام 1954 ضد محاولات تطبيق الديمقراطية التي قادها الرئيس محمد نجيب، حينما عمل جمال عبد الناصر على التخلص من نجيب تماما كما تخلص عبد الفتاح السيسي من مرسي. بل إن جرائم القتل والاعتقالات التي تمت في ذلك الوقت لا تختلف كثيرا عن تلك التي تتم الآن، حيث قام جمال عبد الناصر باعتقال أكثر من 18 ألفا من قيادات وكوادر جماعة الإخوان المسلمين في ليلة واحدة، وقام عبد الفتاح السيسي باعتقال ما يزيد على عشرين ألفا حتى الآن. وكما شهدت السجون الحربية في عام 1954 أساليب للقمع والتعذيب لم تشهد البشرية مثيلا لها حتى في ظل النظم الفاشية والنازية في إيطاليا وألمانيا، تشهد السجون حاليا نفس الأساليب وربما بشكل أشد. لقد كان هيكل هو عرّاب الانقلاب الذي تم في عام 1954 حينما أوحى إلى عبد الناصر بضرورة التخلص من محمد نجيب ومن سنده الشعبي المتمثل في جماعة الإخوان المسلمين، إذا أراد أن يحكم مصر كما يريد ويذهب بها نحو اتجاه التحرر والاستقلال والريادة. وكان هذا هو الوهم الأكبر الذي عاشه عبد الناصر وساعده فيه هيكل. والآن يعيد الكرة مرة أخرى مع عبد الفتاح السيسي الذي أقنعه أنه سيكون عبد الناصر الثاني، ولذا يجب أن يسير على خطاه والتخلص من الإخوان إذا أراد الانفراد بحكم مصر. لكن الرياح جرت بما لم تشته سفن السيسي وهيكل، لذا كان اللقاء الذي دعا فيه "دراج" و"بشر" من أجل التفاوض على مخرج، بعد أن فقد الانقلاب كل أوراقه بعد فشل الحل الأمني ضد الجماعة وضد معارضي الانقلاب ودخول البلاد في نفق مظلم، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. سياسيا، فقد الانقلابون كل أدوات الحل التي أصبحت في يد جماعة الإخوان والمتظاهرين في الشوارع. واقتصاديا، أصبحت مصر تعاني من انهيار اقتصادي واضح لم تمر به في تاريخها الحديث حتى أثناء الحروب، ويزيد هذا الانهيار مع استمرار الوضع السياسي المتأزم واستمرار التظاهرات في الشارع. واجتماعيا حدث تغير كبير في الصورة الذهنية لدى غالبية المصريين عن الجيش الذي تحول من "الجيش الوطني العظيم" إلى ميلشيات تقتل الناس في الشوارع وتقتحم المسجد وتحرقها وتمنع الناس من أداء الصلوات وتصادر حرياتهم السياسية والاجتماعية وتتعامل معهم على أنهم العدو الذي يجب محاربته والقضاء عليه. من هنا جاءت الدعوة التي وجهها هيكل لقياديي حزب الحرية والعدالة للتشاور حول الدعوة لمؤتمر عام للمصالحة الوطنية يسعى لحل تلك الأزمة. لكن ما لا يعلمه هيكل أو قادة الانقلاب أن حل الأزمة لا يحتاج إلى مؤتمر ولا إلى الدخول في تفاوض مع جماعة الإخوان لأنها حتى إن استطاعت أن تنجز اتفاقا مع قادة الانقلاب فلن يكون له قبول في الشارع إلا إذا حقق مطالبه المتمثلة في عودة الشرعية أي عودة الرئيس والبرلمان والدستور. أما ما دون ذلك فهو تضييع للوقت والجهد وتعميق أكبر للأزمة.