16 سبتمبر 2025
تسجيلمن ليبيا التي اغتيل فيها بدون وجه حق السيد (كريز ستيفنس) الدبلوماسي الأمريكي الذي اشتهر بتقديره للإسلام والمسلمين وعوقب على ذلك في عهد بوش الابن وهو على كل حال في حماية دولة ليبيا إلى مصر التي هجم فيها نفر غفير على سفارة الولايات المتحدة وسقط بعض المهاجمين ضحايا إلى تونس حيث أحرق متظاهرون بعض مصالح السفارة الأمريكية وتسلل بينهم لصوص نهبوا حواسيب المدرسة الأمريكية (وهنا تكمن الهمجية) وتم إحصاء 4 ضحايا و30 جريحا إلى اليمن والعراق بعد أن كانت عاصمتاهما أيضا مسرحا لأعمال عنف واعتداء على البعثة الدبلوماسية الأمريكية إلى الخرطوم وإلى عواصم أخرى في العالم العربي والإسلامي. كل هذه الأحداث تؤكد في جانبها الإيجابي أن العربي المسلم لم يعد يتحمل الإهانة التي كان الطغاة لا يجدون فيها حرجا بل يطأطئون لها الرؤوس وتؤكد في جانبها السلبي الخطير ضياع الجماهير أمام إهانة حقيقية وإساءة بالغة وتحامل خطير ضد نبي الإسلام المصطفى الأمين والنور المبين صلى الله عليه وسلم ارتكبته مجموعة صغيرة وحقيرة من غلاة أقباط مصر المتأمركين وغلاة الصهاينة وليس للإدارة الأمريكية فيه ذنب مباشر سوى التسامح مع المعتدين على حضارة الإسلام والتشدد مع مناهضي العنصرية الإسرائيلية وهو ما لا يبرر اتخاذ السفارات وهي أمانة في رقابنا وليست أهدافا لأعمال عنف يذهب ضحيتها أحيانا من يساندنا ويؤيد ثوراتنا! وكنت في تونس الأسبوع الماضي ولاحظت أن هناك وعيا بتدارك الأخطاء من قبل النخبة الحاكمة حيث قال وزير من حركة النهضة حرفيا في صحيفة (لابريس):"إننا لم نكن في مستوى ثقة الشعب" مضيفا بأن العناية اتجهت لاحتلال الكراسي عوض إعطاء الأولوية لحل معضلات الشعب" لكن تفاؤلي بهذا الإدراك تراجع حين سمعت أحد أبرز المناضلين الحقوقيين وهو اليوم مسؤول في حزب من أحزاب السلطة يهدد معارضيه بفصل من فصول القانون الجنائي القاضي بالإعدام شنقا للمعارضين المتهمين بجريمة الانقلاب على النظام. ولعل الأمر يتعلق بكلام رجل غاضب سريع الانفعال. أما في اليمن فقد اتفق القاصي والداني بأن القبليات والعشائريات التي كانت الثورة أعلنت نهاية حقبتها إنما ازدادت ثباتا وانغراسا وهي التي تقود المسارات وتوجه السياسات بعيدا عن تحقيق طموحات الشباب اليمني. وهذه الحقائق هنا وهناك في العالم العربي هي التي ربما أجلت نهاية المأساة السورية حيث يستمر سفك دماء السوريين منذ عام ونصف وحجة أعداء التغيير الديمقراطي هي الإشارة إلى ما منيت به شعوب أخرى من عسر ولادة الحريات وصعوبة التحديات واستفحال الانفلات الأمني وبالطبع تغول سدنة الثورات المضادة في الداخل أما في الخارج فاحتمال حلول المارينز بعدة بلدان تحت ذريعة حماية الدبلوماسيين من القتل بقصد إجهاض حلم الجماهير العربية في حكم رشيد وشرعي وعادل بلا فساد وبلا استبداد. إنه الخطر الأكبر منذ 17 ديسمبر 2010 يوم احترق جسد الشهيد محمد بوعزيزي رحمة الله عليه في سيدي بوزيد. وأعتقد والله أعلم بأن هذه الأوطان تحتاج اليوم لرفع شعار الماهاتما غاندي الزعيم الهندي حين قال (كثيرون حول السلطة وقليلون حول الوطن) فالجراح التي تنزف في هذه البلدان من جراء عقود من القمع والتهميش لا تزال مفتوحة ولم تضع النخب الحاكمة والمعارضة أمامها خارطة طريق سوية تحدد فيها بالوفاق قائمة الأولويات وسبل مواجهتها بإعادة توزيع الثروة وبالإدارة الصالحة فالمطلوب هو أولا إكرام شهداء وجرحى الثورات بالتعويض والتبجيل والعلاج ثم التصدي بحزم استثنائي لمواجهة بطالة الشباب بإحداث أقطاب زراعية وصناعية تشغل منهم الكفاءات حتى يشعر هؤلاء الشباب الذي ضحى بالنفس والنفيس أن بلاده تسعى لتغيير حقيقي يكون له في بنائها دور رائد ثم التوافق حول خطة تنموية تصحيحية يعود فيها للقطاع العام دوره الأساسي كقطاع حكومي يعطي المثل للقطاع الخاص ويوفر حاجيات الناس في الميادين الثلاثة الحيوية أي الصحة والتعليم والنقل. فالظاهرة الاقتصادية والاجتماعية التي هبطت بمستوى المرافق والخدمات في كل من مصر وتونس واليمن وليبيا وسوريا والسودان والأردن هي ظاهرة الليبرالية المتوحشة التي قسمت الشعب إلى طبقتين: الطبقة الغنية التي تعالج مرضاها في المصحات الخاصة وتدرس أولادها في المدارس الحرة وتستعمل وسائل النقل المستقلة المرفهة بإزاء الطبقة الوسطى التي انحدرت إلى الأسفل وتضطر للعلاج في المشافي الحكومية والتعلم في المدارس الرسمية وتركب حافلات النقل الريفي. وذلك بدعوى تشجيع المبادرات الاستثمارية الخاصة مما أدى إلى تأسيس مجتمعات ظالمة وإلى حفر خنادق طبقية عوض أن تكون المؤسسات الخاصة تكملة طبيعية للمؤسسات الحكومية مثلما هو الحال اليوم في بلدان الاتحاد الأوروبي بفضل سياسات اجتماعية وخيارات شعبية يلتزم بها كل متقدم للاقتراع مهما كانت انتماءاته السياسية. وأنا أعيش في فرنسا منذ سنوات المنفى ولا أحتاج لمصحة خاصة أو مدرسة حرة أو نقل مستقل إلا عندما لا أجد مكانا في القطاع العام الذي يبقى الأفضل ويبقى المنارة والمثل الأعلى. اللهم اهدنا إلى صراطك المستقيم.