11 سبتمبر 2025
تسجيلأدرك أن البناء يتطلب متسعا من الوقت غير أن الواقع يشير إلى أننا مازلنا نسكن منطقة الكلمات *العزب الطيب الطاهر ثمة شعور بغياب أو بالأحرى بسفر البهجة وكأنما هي تراوغنا لا ترغب في الإقامة لدينا هل نحن نجيد خصومتها إلى هذا الحد؟ ثمة ثورة في المحروسة نهضت معانقة أحلامنا في الخامس والعشرين من يناير في الحرية والخبز والعدالة. قدم المئات أرواحهم فداء لهذه الأحلام غير الآلاف الذين مازال أنينهم يتصاعد من فرط ألم فقد أجزاء من أجسادهم. وانبعث ميلاد جديد لشعب ظل قابضا على جمر الحياة على مدى ثلاثين عاما متطلعا للعتق والخروج من زمن القيود وإجهاض الأشواق إلى الكرامة. ابتهجنا بالثورة، قلنا ولى زمن القهر وحان قطاف الثمار، بيد أن الأشهر تمضي دون أن تتجسد ألوان البهجة في أرجاء المحروسة ومع أن الشمس أشرقت بعد الحادي عشر من فبراير إلا أن الغيوم والسحب مازالت تحول دون بلوغ أشعتها مراميها. هل سكنت همة الرجال؟ لا أظن. بدليل هذه المليونيات التي تطل علينا بين الوقت والآخر هل احتشد الرافضون والكارهون للشمس؟ أجل هم يحتشدون من اللحظة الأولى التي انطلقت فيها شرارتها. غير أن الرجال في البدء كانوا يترصدون لهم ويجهضون أحلامهم في العودة فما الذي جرى في المحروسة بعد هذه الأشهر التي تقترب من التسعة وهي فترة الحمل الطبيعية التي من المفترض أن ينتج عنها مولود جديد. الرأس الكبرى وثمة رؤوس أخرى معه في الزنازين والأقفاص لكن عسسهم وبصاصيهم مازالوا يقبضون على المواقع الحيوية يوجهون الأحداث يقذفون بالثورة وراء ظهورهم فثمة رجل أمن قال لناشط ثوري بعد اعتقاله: هي ليست ثورة إنها أحداث يناير وثمة رجال في دوائر نافذة تقول اللغة نفسها فأحدهم قال عندما كان يحقق مع نفر من الثوار الذين تم اعتقالهم غدرا في الشهر الثاني بعد انبثاق الثورة في وقائع مازالت غامضة بميدان التحرير: هل صدقتم أنكم قمتم بثورة؟ وإذا توقفت عند مسيرة الحرية التي انطلقت الملايين مطالبة بها عبر ثمانية عشر يوما منذ اندلاعها في الخامس والعشرين من يناير ترصد هامشها يضيق بدلا من أن يتسع ولعل آخر تجلياتها تفعيل ما يسمى بحالة الطوارئ وهو ما ينبئ عن أن الأشخاص أنفسهم في زمن مبارك مازالوا يشيرون على صانع القرار ما الذي ينبغي أن يفعله ودون تفكير يستجيب وينفذ من غير أن يدرك أن مناخا مغايرا من المفترض أن يسود في المحروسة بل يبدو لي- في ضوء الخطوات المقيدة للإعلام مؤخرا - أن ثمة محاولة لإعادة إنتاج توجهات هذا الزمن من خلال القذف بالكرة في ملاعب الآخر فهاهي الجزيرة مصر مباشر تتهم بأنها تمارس عملها من دون ترخيص وبالتالي يتعين إغلاقها بينما هي في واقع الحال كانت تقدم منتجا إعلاميا شديد المهنية افتقده الإعلام الرسمي الذي لا يمنح كوادره المهمش المطلوب من الحرية والحركة رغم كفاءتهم العالية لكن الخطوط الحمراء مازالت مقيمة في ماسبيرو حتى لو جاء أسامة هيكل الوفدي الهوية بدلا من أنس الفقي في زمن الحزب الوطني الذي كان حاكما وذلك رغم تحفظ المرء على بعض أنماط الشكل الذي تقدم به مضمونها والفاجعة الكبرى أن يسارع وزير سيادي في حكومة من المفترض أنها تنتمي للثورة إلى توجيه الاتهام لـ"دول عربية شقيقة" بتقديم تمويل لجمعيات أهلية مصرية بمئات الملايين من الجنيهات بهدف الإسهام في إثارة الفتنة والاضطرابات حتى لا تنجح الثورة المصرية وتقدم نموذجا لهذه الدول المتوجسة خيفة منها. وهكذا ببساطة عثرنا على المعضلة وقدمنا التشخيص وحددنا أسباب الداءات التي تكابدها المحروسة ومن ثم ينبغي أن نلجأ إلى العلاج اعتمادا على روشتة خارجية وهي تكاد تكون نفس الروشتة التي كان يقدمها النظام السابق لمشكلاته بما في ذلك طريقة تعامله مع مقدمات ثم وقائع ثورة 25 يناير. إنها عملية إعادة إنتاج لأسلوب لم يعد يليق تبنيه من سلطة جاءت على أكتاف الثوار وتدافعت في بداية الثورة لتصحح مسار علاقات مع دول عربية تركناها في زمن مبارك فلجأت إلى الأطراف الإقليمية والدولية كي تحقق لها منظومتها الأمنية بينما كان النظام السابق لا يقدم لها سوى الوعود وحتى تدخله في أزمة الكويت بعد احتلالها المرفوض من نظام صدام حسين جاء ضمن سياق تحالف دولي قادته الولايات المتحدة في حين أنه لو كان يتسم بالقوة والرشد السياسي لمنع تفجر الأزمة بين بلدين عربيين شقيقين أو على الأقل لحال دون غزو قوات صدام للكويت مثلما فعل الزعيم الخالد جمال عبدالناصر. فبدلا من أن نفتش عن أخطائنا في الداخل وأسباب التعثر في إدارة المرحلة الانتقالية وتجاوز نتوءات صنعها الحكام الجدد ربما لمحدودية خبرتهم السياسية أو لضيق الخيارات والبدائل المتاحة أمامهم وجهنا عيوننا إلى الخارج وتحديدا إلى دول شقيقة -على حد تعبير الوزير السيادي - وتلك سمة الفاقدين للخيال السياسي والقراءة الموضوعية للواقع واللافت أن الحديث عن الدور الصهيوني في محاولة إجهاض الثورة وشل حراكها الإيجابي وإثارة الفتنة لم يعد يرتفع في الآونة الأخيرة، وللإنصاف فإن الدكتور يحيى الجمل كان هو الذي يشير إلى هذا الدور في معظم أحاديثه الصحفية والتلفزيونية ولكن الرجل نتيجة بعض الأخطاء سرعان ما ذهب من دائرة السلطة فهل كان ذلك مقصودا؟ مجرد تساؤل. إنني قليل القراءة لطروحات ومقالات الكاتب المصري الدكتور مأمون الفندي بسبب خلفيته الفكرية والسياسية المنحازة لما يسمى بالليبرالية الجديدة وتشجيعه للتطبيع مع الكيان تحت مسمى الدعوة إلى السلام فضلا عن أشياء أخرى رغم أنه بلدياتي من جنوب مصر لكنه كتب قبل أشهر مقالا في الزميلة الشرق الأوسط دعا فيه إلى ضرورة التخلص من رجال الصف الثاني في المؤسسات الحكومية المصرية فلا يكتفي بإبعاد الرجل الأول مثلما وقع خلال الأشهر الثمانية المنصرمة من عمر الثورة بل يتعين التوجه لقيادات الصف الثاني والثالث وهي المتحكمة في إدارة المرحلة الانتقالية من حيث التخطيط والتدبير وتقديم المشورة والنصح لرجال الصف الأول ومعظمهم لا يمتلك الخبرة بوزارتهم ومؤسساتهم وهو ما أفضى إلى أن الكثيرين لم يشعروا أن ثمة تغييرا حقيقيا جرى في الدوائر الحكومية خاصة السيادية منها والتي تشرف على تسيير أمور البلاد ومكمن الخطورة هنا أن هذا الشعور بدأ يأخذ طريقه إلى من شاركوا في صناعة الثورة والجماهير البسيطة التي سارعت إلى تقديم الإسناد إليها. إن الثورة تعني في أبسط مفاهيمها التغيير الجذري بيد أن ما وقع في المحروسة حتى الآن هو تغيير لامس القشور والرؤوس فحسب. إنني أدرك أن البناء - ليس مثل الهدم - يتطلب متسعا من الوقت. غير أن الواقع يشير إلى أننا مازلنا نسكن منطقة الكلمات والأدهى أن الانقسامات طالت قوى الثورة فيما بينها وتفجرت خلافات بين الثوار والمجلس الأعلى للقوات المسلحة رغم الشعار الذي تسيد الموقف على مدى أيام الثورة وما تلاها من أحداث وهو الشعب والجيش يد واحدة وهو أمر يتعين أن نعض عليه بالنواجز فأول معول يوجه للثورة –وهو ما أخشى منه بشدة - هو اتساع الانقسامات والخلافات بين قوى الثورة والقوة الوحيدة التي ساندتها وحمتها من السقوط وحافظت على بنية الدولة المصرية بينما كانت مؤسساتها المهمة في طريقها إلى التلاشي. نحن في حاجة إلى استعادة البهجة الغائبة أو المسافرة فمازال مكانها شاغرا ونترقب أشعتها كي تهبط علينا رطبا وسلاما وأمنا واستقرارا وعودة للمحروسة وهو ما يستوجب إعادة النظر في خطواتنا لصياغة المستقبل وبلورة مكونات المرحلة القادمة بعيدا عن المنهجية واللغة والخطاب الذي كان سائدا في زمن مبارك. فللثورة محدداتها ومنهجها القائم على الشرعية الثورية التي تقود وفق ضوابط قانونية وسياسية إلى الشرعية الدستورية التي نتطلع إليها غير أن الأهم في اللحظة الراهنة هو مكابدة ما يسمى بالانفلات الأمني حتى لا يحبط كل أشواقنا للثورة وما بعد الثورة . السطر الأخير: وأنت أيا شمس وجودي انطلقي للبهجة كوني حقلا لحبوري كوني نهرا يغزل زهري وورودي كي أنسى وجعا مرسوما بدفاتر أيامي دثريني بغطاء عينيك ارزعي الحنطة بسواحلي ابني لي قصرا ببهاء وجدك أغلقي سيرة الخوف أكتبك تميمة العمر [email protected]