01 نوفمبر 2025

تسجيل

التطبيع ووثيقة المدينة

19 أغسطس 2020

عندما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم المدينة المنورة كان فيها ثلاثة أطراف متساوية القوة لم يكن أي منها يحكم المدينة. فكان فيها قبيلتا الأوس و الخزرج العربيتان وكان القسم الثالث اليهود وهم عبارة عن ثلاث قبائل بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة. وكانت قبائل اليهود متحالفة مع الأوس والخزرج كل على حدة فكان بنو النضير وقينقاع أحلاف الأوس وبني قريظة أحلاف الخزرج وظلت هذه الأطراف أو الطوائف المتحالفة في صراع مرير مستمر، وكان هذا الصراع عادة بين الأوس والخزرج وأما القبائل اليهودية أو الحلفاء اليهود فلا يتدخلون إلا للضرورة القصوى وعادة ما تكون هذه الضرورة هي استمرارية العداء فلا يغلب أحد ولا تقع يثرب تحت سيطرة طرف واحد. ولم يعلم اليهود أنهم إنما كانوا ينفذون مشيئة الله بأن عملوا على تهيئة يثرب لأن يحكمها محمد صلى الله عليه وسلم فانظر إلى تدبير العزيز الحكيم ! فبعد وصوله عليه الصلاة والسلام وبعد أن بنى المسجد الذي كان مقر الحكم الإسلامي قام بحركة إبداعية لن تجد لها في التاريخ مثيلا وهي المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار فكان لكل أنصاريّ أخ مهاجري. والإبداع هنا ومن وجهة نظر سياسية هو تذويب الأحلاف السابقة مع اليهود بالرغم من أنه أقرّها ولم ينقضها ولكن بعملية المؤاخاة تلك أصبحت هذه العلاقة الجديدة هي الأولوية في نفوس الأنصار من القبيلتين وهذا يعني تلقائيا انقلاب الوضع من ثلاث طوائف متقلبة الحال والوضع إلى قسمين جديدين هما المسلمون واليهود، أو على الأقل هكذا فهمها اليهود. بعدها كاتب الرسول صلى الله عليه وسلم اليهود وعاهدهم وهو في موقف قوة بما عرف في التاريخ بـ"وثيقة المدينة" ويتضح ذلك من بنود تلك الوثيقة وهي كثيرة لكن منها: • أن لكلٍّ دينه للمسلمين دينهم ولليهود دينهم وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم. • أن بين المسلمين واليهود النصر على من حارب أهل هذه الوثيقة. • أنهم جميعا في حالة حرب مع قريش فلا يتعاملون معهم ولا ينصرونهم ولا يجيرونهم. • أن اليهود لا يخرجون من المدينة إلا بإذن الرسول صلى الله عليه وسلم. • إذا كان بين أهل هذه الوثيقة شجار فإن مرده إلى الرسول ليحكم فيه. ولن نستفيض أكثر في بنود هذه المعاهدة الإبداعية لكن يتضح للقارئ الكريم أن الرسول لما عاهد اليهود عاهدهم وهم تحت حكمه وليس العكس، وكانت معاهدة عادلة محكمة حكيمة ولا مجال لا من قريب ولا من بعيد أن يتم مقارنة فعل الرسول الأعظم بانبطاح محمد بن زايد وما يروج له الذباب الإماراتي ومن تبعهم من المتأسلمين الأفاكين الخبثاء في محاولة الالتفاف على الوعي العربي. ولو أنهم كانوا صادقين في ادعائهم الكاذب هذا لتعلموا من تجربة قطر التي حاولت فيها البحث عن مصلحة الفلسطينيين فقط لا البحث عن مكاسب سياسية شخصية كما فعلت الإمارات. وبدلا من شكر قطر التي أحرجت الصهاينة وكشفت بالدليل القاطع انقلابهم على اتفاقياتهم، تراهم يتهمونها بأنها أول من طبّع في كذب واضح فاضح مكشوف، ولو سلمنا جدلا بأن كلامهم صحيح فلماذا تلومون قطر ثم تفعلون ما فعلت؟ ولكن الحقيقة أنهم يعلمون علم اليقين أن قطر ما طبّعت بل حاولت قدر الجهد والاستطاعة منع ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية، ولما نقض الصهاينة العهد أغلقت قطر مكتبهم التجاري وأنهت ما بدأته. فلماذا تعيدون هذا السيناريو المكذوب ثم تتوغلون أكثر بانبطاح كامل الأركان للكيان الصهيوني؟ هذا في حال سلمنا جدلا بحجتهم البائسة، ولكن وبما أن التاريخ يعيد نفسه، فإنه وكما دبر سبحانه الأمور وجعل يهود يثرب يهيئون الوضع لنصرة الإسلام من حيث لا يعلمون ورغما عنهم، فهم الآن يعملون جاهدين مع حلفائهم الجاهليين الجدد لنصرة الإسلام من حيث لا يعلمون ورغماً عن أنوفهم والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون. ما للرجال مع القضاء محالة * ذهب القضاء بحيلة الأقوام