19 سبتمبر 2025

تسجيل

أهداف الحلفاء وأحداث عدن

19 أغسطس 2019

أبوظبي هدفها فصل الجنوب للسيطرة على خطوط الملاحة البحرية الإمارات تسعى إلى تهدئة الرياض وإقصاء الإخوان في اليمن طرد الشماليين من  الجنوب يشرعن انقلاب عدن ضد الشرعية أثارت أحداث عدن الأخيرة الكثير من التساؤلات حول طبيعة واستمرارية التحالف بين الرياض وأبوظبي خاصة في ملف اليمن، وبعيداً عن التصريحات الرسمية والزيارات المتبادلة بات واضحاً أن طرفي التحالف ليسا في حالة اتفاق على الأقل فيما يتعلق بالتطورات الأخيرة، فهل يستمر التحالف في اليمن بشكله الحالي؟ للإجابة على السؤال أعلاه لابد من الوقوف أولاً على أهداف كل طرف في اليمن، فعلى الرغم من أن الأهداف المعلنة لكلا الطرفين متوافقة إلا أن قراءة سلوك الطرفين تدل على أن هناك أهدافاً أخرى يحتفظ بها كل طرف لنفسه، بالنسبة للسعودية الوجود في اليمن يسعى لتحقيق أمرين رئيسيين، الأول هو دفع التوغل الإيراني في المساحة الاستراتيجية السعودية، منذ اليوم الأول لنظام الثورة في إيران وحتى قبل ذلك كان واضحاً أن الدولتين تتحركان في ذات المساحة الاستراتيجية ويمكن قراءة ذلك في أحداث الحرب العراقية الإيرانية ابتداءً ومن ثم أحداث لبنان ثم غزو العراق، ولكن الدخول في اليمن كان يشكل خطورة خاصة للسعودية التي طالما اعتبرت اليمن حديقتها الخلفية، وكانت القيادة السعودية الجديدة تريد إثبات جديتها في رد التقدم الإيراني، الأمر الثاني الذي تسعى السعودية لتحقيقه هو تأكيد وجودها في اليمن الأمر الذي تراجع مع الربيع العربي، وعلى الرغم من أن المبادرة الخليجية أعادت الرياض إلى المشهد إلا أن ما تلى ذلك أكد أن قدرتها على فرض نظام سياسي جديد موالٍ لها محدودة. بالنسبة لأبوظبي تبدو أهدافها غامضة للوهلة الأولى ولكن الحرص الإماراتي على فصل الجنوب يشير بوضوح إلى تلك الأهداف، أولاً لدى أبوظبي مشروع واضح للسيطرة على خطوط الملاحة البحرية فبالإضافة لموقع دبي الاستراتيجي في تلك الخطوط تسعى أبوظبي إلى إيجاد موطئ قدم في المضائق المختلفة سواء من خلال إضعاف الموانئ الاستراتيجية الأخرى من خلال إدارتها وتحجيمها أو التعاون مع الأطراف السياسية التي تديرها للتحكم فيها كما هو الحال في القرن الأفريقي ودعم أبوظبي لأرض الصومال الانفصالية أو حتى في باكستان وغيرها، والموانئ اليمنية بطبيعة الحال تحتل أهمية خاصة لمن يريد التحكم في مضيق باب المندب، الأمر الآخر مرتبط بنظرة بعيدة المدى للعلاقة مع الرياض، فعلى الرغم من الحديث الدائم حول العلاقة الأبدية بين الرياض وأبوظبي إلا أن أي متابع لتطورات الأحداث في المنطقة يعرف أن العلاقة كانت متوترة ما قبل 2010 على أكثر من صعيد، وفي الحقيقة أن مشروع أبوظبي في المنطقة لا يتحمل وجود قيادة سعودية له، وبالتالي فوجود دولة جنوبية في اليمن يدين قادتها بالولاء لأبوظبي يمثل أهمية استراتيجية تتجاوز مرحلة التحالف الظرفي مع الرياض، فوجود إماراتي عسكري بالإضافة إلى نظام سياسي يدين بالولاء لها هناك يشكل أداة مهمة لترجيح كفة أبوظبي في أي مواجهة مقبلة مع الرياض تكون فيها منهكة بعد مغامراتها الحالية. إذن ماذا حدث في عدن؟ باختصار بات واضحاً أن التأخير في تحقيق إنجازات أو تغيير على الأرض لم يعد مقبولاً في أبوظبي أولاً بسبب الاستنزاف المستمر الذي يمثله وجودها هناك وثانياً التهديد العسكري الإيراني المستمر والذي بدأ يتزايد مع تراجع أمريكي عن مواجهة إيران بالإضافة إلى أنه بدأت تلوح في الأفق معالم حل سياسي لن يكون بالضرورة تحت سيطرة أبوظبي، وعليه كان أولاً تقليص الوجود العسكري هناك مع تجهيز الميليشيات الموالية للإمارات ثم إثارة الفوضى في عدن في انقلاب مباشر على الشرعية، هذا الانقلاب بكل بساطة وضع القوى المدعومة إماراتياً في قصر الحكم وأمضى أيامه الأولى في سحب السلاح من مناوئيه التابعين للشرعية ثم اعتقال قياداتهم ثم تأسيس حالة جديدة على الأرض يكون الخطاب الذي يشرعنها هو طرد «الشماليين» من الجنوب، وبالتالي تكون أبوظبي حققت أهدافها الاستراتيجية بضربة واحدة وانتقلت من مرحلة إلى أخرى في علاقتها مع القضية اليمنية، ولكن لماذا لم تخش أبوظبي ردة فعل سعودية؟ راهنت أبوظبي في حراكها في عدن على أمرين، الأول هو طبيعة القرار السعودي التي تتسم بالبطء والارتباك وبالتالي يمكن تغيير الواقع على الأرض ثم الالتفات للرياض وتعديل بعض الإجراءات كما تريد مع الإبقاء على الوضع القائم هناك ولذلك سمعنا تصريحات من المجلس الانتقالي فور الدعوة السعودية للحوار ووقف إطلاق النار تفيد بانصياع كامل لأوامر الرياض ولكن ذلك لم يتحقق على الأرض، الأمر الثاني هو أن أبوظبي تعلم أن خيارات الرياض محدودة وخاصة في ظل زيادة الضغط الدولي سواء بسبب انتهاكات حقوق الإنسان وخاصة مقتل خاشقجي أو المطالبات بإيقاف حرب اليمن، حيث باتت أبوظبي الحليف الحقيقي الوحيد للرياض، الخيار الإماراتي بحسم الأمر في عدن كان رهاناً خطراً ولكن يبدو حتى اللحظة أنها نجحت فيه، سينصب عمل أبوظبي الآن على تهدئة الرياض وإقصاء الإخوان في اليمن وتأسيس كيان سياسي ليس بالضرورة متماسكاً ولكن قوي بما فيه الكفاية لبسط السيطرة في الجنوب. [email protected]