16 سبتمبر 2025

تسجيل

من يملأ الفراغ؟

19 أغسطس 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); تاريخيًا، لا تترك القوى العظمى منطقة الشرق الأوسط لوحدها، فعادةً ما تشهد هذه المنطقة تدخلات خارجية من قبل دول كبرى، وفي بعض الأحيان تسعى هذه الدول المتدخِلة إلى إعادة تشكيل الإقليم وما يترتب على ذلك من إعادة رسم حدود دول أو ربما شطب دول أو شطب حق قوميات في تقرير مصيرها. وربما لا نبالغ إن قلنا إن الإقليم بشكل عام وبخاصة شقه العربي دائما ما يعاني من عقدة انعدام الأمن وغياب الاستقرار، وعقدة أخرى تتعلق بشرعية بعض الأنظمة ما يخلق فضاءً واسعا لتدخلات وتلاعبات تقوم بها دول خارجية تطمح لبسط نفوذها وهيمنتها على الإقليم وموارده. لذلك لا أحد ينكر دور العامل الخارجي في تشكيل وإعادة تشكيل المنطقة. أسوق هذه المقدمة بعد أن طالعتنا الأخبار بقيام قاذفات إستراتيجية تابعة لسلاح الجو الروسي بالانطلاق من قاعدة همدان الجوية في إيران مستهدفةً المعارضة السورية في مدينة حلب بذريعة ضرورة إلحاق هزيمة عسكرية بالتنظيمات الإرهابية. ورغم وجود قاعدة سورية في الشمال تحت سيطرة الروس (قاعدة الحميميم)، إلا أن روسيا فضلت استخدام الأراضي الإيرانية والمجال الجوي العراقي لمهاجمة المعارضة السورية في حلب. وكأن روسيا تود أن تبعث برسالةٍ صريحةٍ بأن الروس قادمون بعد الانكفاء الأمريكي وتراجع قيمة الشرق الأوسط في الإستراتيجية الغربية بشكل عام. فما من شك أن إدارة الولايات المتحدة لظهرها للمنطقة وخذلانها من تعتبرهم "حلفاء" لها قد خلق فراغًا إستراتيجيًا تسعى روسيا إلى ملئه من خلال تحقيق نصر حاسم في سوريا ومن خلال توطيد التعاون الإستراتيجي مع إيران. ليس مؤكدًا بعد نوع الاتفاق الإيراني الروسي حيال استخدام قاعدة همدان، غير أن "مأسسة" هذا التعاون ربما يفضي إلى تحويل قاعدة همدان إلى قاعدة شبيهة بقاعدة إنجرلينك في تركيا، فوجود إنجرلينك هو مؤشر على دور الولايات المتحدة العسكري في المنطقة وربما تحاول روسيا الحصول على موطئ قدم بهذه الطريقة على غرار الغرب. غير أن الأمر ليس مباشرًا وليس سهلًا، فهناك خلافات جوهرية بين الروس والإيرانيين حيال الأكراد، ففي وقت تتفق فيه روسيا مع إيران حول ضرورة تحقيق انتصار في حلب، فإنهما تتباعدان إزاء الموقف من الأكراد، وهنا نجد ما يمكن تسميته بالسباق المحموم بين الأمريكان والروس لدعم الأكراد، وهو أمر يثير حفيظة إيران وتركيا بنفس الدرجة تقريبا. وأعتقد أن هذه النقطة الشائكة ستكون أحد محاور اللقاء الذي سيجمع الرئيس التركي طيب رجب أردوغان مع الرئيس الإيراني الأسبوع المقبل. وعودة إلى موضوع التعاون الإيراني الروسي، نقول إنه لم يكن بوسع روسيا القيام بهذا الدور لولا التواطؤ الأمريكي الذي يريد أن يمكن روسيا من القضاء على التنظيمات الإرهابية. فالولايات المتحدة تعرف أن هناك ثمنًا باهظًا في أرواح المدنيين وهي غير مستعدة لتحمل وزره، وهذا على العكس من الرئيس بوتين الذي لا يقيم وزنا للضحايا المدنيين، فسلاح الجو الروسي يقتل المدنيين ويدمر المدارس والمستشفيات بدماء باردة ولا تعنيه الانتقادات الدولية لأنها على أرض الواقع لن تحدث شيئًا. ورغم المناكفات الإعلامية والانتقادات المتبادلة التي تجد طريقها إلى الإعلام في مناسبات عديدة يبدو أن ثمة تفاهمات سرية موجودة بين الطرفين تسمح لروسيا بالمضي في عملية حلب.. فلا يمكن أن نفهم انتقادات الإدارة الأمريكية لهجمات القاذفات الإستراتيجية في وقت تنسق واشنطن مع موسكو معركة حلب، وفي وقت تمنع واشنطن حلفاءها من تسليح المعارضة المعتدلة بأسلحة نوعية تصنع الفارق في المواجهات الدامية. بمعنى آخر يبدو أن الولايات المتحدة تبارك القصف الروسي على اعتبار أن الروسي يقومون بالدور القذر نيابة عن الغرب، فالولايات المتحدة معنية فقط بإلحاق هزيمة بتنظيم داعش وليست معنية بالشكل الكافي بشكل سوريا بعد داعش. وخلاصة القول، يبدو لافتا أن فراغًا إستراتيجيًا آخذ التشكيل سببه انكفاء الولايات المتحدة، وهو الأمر الذي التقطته موسكو مبكرا وتحاول تعظيم مكاسبها استنادًا إلى هذا الواقع الجديد. غير أن القضية ليست بهذه السهولة، فهناك لاعبون إقليميون عينهم على التأثير والهيمنة أيضا ولابد لروسيا من التفاهم أو الاصطدام معهم.. ففي حال نجاح روسيا في لعبتها في سوريا، ستتبدل التحالفات الأمر الذي يخلط الأوراق في منطقة تعاني دوما من عدم الاستقرار. لا أعرف إن كنا – كعرب – غائبين ومكتفين بدور المراقب المتلقي للفعل أم أن ما يجري سيشكل سببا لاستيقاظ بات مطلوبا أكثر من أي وقت مضى!