17 سبتمبر 2025

تسجيل

الحماية الإيرانية لنوري المالكي

19 أغسطس 2015

حرب الإرادات المتضاربة بين الشعوب والأنظمة في الشرق القديم، تشهد اليوم أشد فصولها سخونة، فمع إصرار جموع العراقيين الشعبية على تغيير خارطة الوضع العراقي البائس، والمباشرة بتصحيح الأوضاع المعوجة والتي أوردت العراق مورد الهلاك، وهشمت ركائز وحدته الوطنية، وقذفت شعبه أمام احتمالات رياح تدميرية عاصفة من شأنها الإطاحة بوجوده الإقليمي، وتدمير وحدته الوطنية، فإن مقاومة رغبات الشعب قد تجلت بأبشع معانيها عبر بوابة المصالح الإيرانية الإقليمية، وتحديداً عند ملف المطالبة الشعبية العراقية بمحاسبة ومحاكمة رئيس الحكومة السابق نوري المالكي الذي يتحمل مسؤولية فشل كبير تسبب مآس عراقية لم تزل شاخصة ومتفاعلة، خصوصاً وأن التقرير البرلماني حول قضية سقوط الموصل بيد تنظيم الدولة في يونيو 2014 قد أظهر المسؤولية المباشرة للمالكي في تلك الهزيمة المروعة! ورغم العديد من الملاحظات على ذلك التقرير إلا أن جوهره يصب في مجرى التوجه الشعبي العام! إلا أن حسابات الحقل العراقي لا تتطابق أبداً مع حسابات البيدر الإيراني!، وما هو صالح للعراقيين لا يكون كذلك للإيرانيين!، خصوصا وأن لعبة المصالح الإقليمية والتأثيرات الطائفية، وطبيعة القوى الحاكمة والمهيمنة في العراق قد جعلت من إيران محورا ومركزا قويا وفاعلا من مراكز القوى المؤثرة جذريا في القرار العراقي الداخلي، ولاعبا مؤثرا في صياغة وصناعة القرار العراقي الداخلي، ففي خضم الحديث عن إجراءات سيقوم بها حيدر العبادي للاستجابة للمطالبات الشعبية، فوجئ العراقيون بسفر نوري المالكي على رأس وفد حزبي من الحزب الحاكم (الدعوة الإسلامية) لطهران للمشاركة في مؤتمر طائفي خاص!! فلاشيء يمنع سفره؟! ولا أحد يتمكن من إيقافه أو حجزه؟ والعبادي أضعف كثيرا من أن يمارس صلاحياته الرسمية باتجاه تفعيل إيقاف المالكي عن ممارسة نشاطات ليس لها علاقة أبداً بمنصبه الذي لم يعد موجودا بعد إلغاء منصب نائب رئيس الجمهورية!! وهو القرار الذي لم يعبأ به أحد من الذين شملهم، فالمالكي تجاهله بالكامل، بينما أعلن إياد علاوي النائب الآخر بأن القرار تحت أقدامه وهو لا يعبأ به!! إذن عن أي متغيرات يتحدثون!؟ وكيف ستتم الاستجابة الحقيقية لمطالب الشارع العراقي فيما نوري المالكي يظهر لسانه للعراقيين ويمارس دورا قياديا غير موجود أصلا في الدولة العراقية؟ الحقائق الميدانية لثمانية أعوام عجاف من حكم المالكي تؤكد على جملة حقائق أولها وأهمها أن القيادة الإيرانية وهي تخوض اليوم أشد صفحات إدارة الصراع الإقليمي حسما لن تسمح أبداً بالمساس بالمالكي تحت أي ظرف! وهو ما أعلنه بوضوح علي أكبر ولايتي مستشار الولي الفقيه للشؤون الإستراتيجية حينما أشار صراحة وجهارا إلى أن المالكي يعتبره الإيرانيون ومن زعماء وقادة ما يسمونه (المقاومة والممانعة)!، وبالتالي فإن أي حديث عن مساءلته أو اعتقاله أو إيقاع الأذى به هو ضرب من ضروب الخيال!! ولا يستقيم أبداً مع المصالح الإيرانية التي عمل المالكي طويلا لخدمتها وتحيق أجنداتها!، ولعل ذلك يشكل قمة التحدي الميداني لتعهدات العبادي الإصلاحية التي أضحت تدور في حلقة مفرغة بين الحيرة مما يريده الشعب العراقي، وبين الإرادة الإيرانية الطاغية التي هي في النهاية ليست مجرد موقف سياسي عابر، وإنما هنالك مخالب وأنياب سامة إيرانية داخل العراق تضفي الحماية على المالكي وتفجر الوضع العراقي ساعة تشاء، وتحول العراق لجحيم حقيقي من الحروب الداخلية ضمن إطار صراعات الضد النوعي!!، فجماعات بدر والعصائب وكتائب حزب الله وسرايا الخراساني جميعها جنود مجندة في خدمة الرغبات الإيرانية التي هي بمثابة أوامر مقدسة بالنسبة لها، بل إن قائد العصائب قيس الخزعلي أعلن صراحة عن حمل السلاح في مقاومة أي مشروع لمحاسبة نوري المالكي؟ للأسف الوضع العراقي يدور في حلقة مفرغة من التيه والحيرة وانعدام الإرادة بسبب تضارب مصالح القوى الإقليمية، والنظام الإيراني بات يتحدى علنا إرادة الشعب العراقي مؤسسا وفاتحا المجال لصراعات داخلية عراقية ستلقي بالبلد لعوالم المجهول، أما القوى السياسية والطائفية العراقية فقد تجاوزها الشارع بسقف مطالبه المتصادمة بالرؤى والقناعات الإيرانية!! فمن سيكسب في نهاية المطاف ويحوز قصب السبق ويحقق الأهداف؟ كل الرؤى ضبابية في بلد ضيعته قواه السياسية الفاشلة، وفي مرحلة من أشد مراحل التاريخ انفجارية ومصيرية ومتوحشة!! لقد فتحت علبة العفاريت العراقية بكل تأكيد.