12 سبتمبر 2025

تسجيل

كمين القاهرة للمقاومة الفلسطينية

19 أغسطس 2014

أظهرت المقاومة الفلسطينية أنها تجيد القفز فوق الألغام والكمائن في الميدان، وعلى طاولة المفاوضات أيضا، مما يعبر عن المرونة والحيوية لدى حركتي حماس والجهاد وباقي الفصائل الفلسطينية المقاومة، وهي حيوية تثير الإعجاب فعلا. بالنسبة للكثيرين فإن المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في القاهرة ليست أكثر من فخ "لتشليح" المقاومة الفلسطينية، ومنعها من قطف ثمار انتصارها العسكري على الأرض، وتعريف الانتصار هنا، صمود المقاومة في وجه جيش الاحتلال الإسرائيلي، رابع أقوى جيش في العالم، وتكبيده خسائر هي الأكبر في تاريخه مقارنة بالمدى الزمني للمعركة، وتمكن المقاومة من توجيه ضربات إلى عمق المواقع الإسرائيلية المقامة على الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1948، وهذا هو التعريف اللائق للانتصار في الحروب غير المتكافئة.الجميل أن "أبطال المقاومة التفاوضية، وهم أعضاء المجموعة الفلسطينية الذين جلسوا على طاولة المفاوضات في القاهرة، تجنبوا الوقوع في الفخ، واستطاعوا القفز فوق "حبال الشيطان" وراوغوا الألغام التفاوضية ببراعة قل نظيرها، وهنا يسجل المفاوضون إنجازا سياسيا لا يقل أهمية عن الإنجازات العسكرية على الأرض.ولا شك أن الكيان الإسرائيلي يسعى إلى "تفكيك الانتصار الفلسطيني" و"تخريب الحفلة" كما يقال في اللهجة العامية، يساعدهم في ذلك "الوسيط المصري" بقيادة نظام السيسي الانقلابين، وهنا سوف أقتبس ما نقله الباحث الفلسطيني في الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي عن المحللين الإسرائيليين لهذا "الوسيط" ويقول: في محاولته تصوير مدى تجند الجانب المصري للضغط على "حماس"، وسعي المسؤولين المصريين لحرمان الحركة من أي إنجاز، قال مراسل الشؤون الفلسطينية في الإذاعة العبرية يغآل بيرغير "لا يحمل المصريون عصا في غرفة المباحثات مع حماس، بل مدفعا، ويمارسون كل الضغوط عليهم من أجل إجبارهم على القبول بوقف إطلاق نار بدون أي مقابل". ويشبه المعلق العسكري في صحيفة "يديعوت أحرنوت" الغرفة التي تُجرى فيها المفاوضات على وقف إطلاق النار في القاهرة بأنها "صالة سيرك" تستخدم فيها مصر كل الوسائل من أجل "ترويض" حماس.أما المعلق السياسي في قناة التلفزة الصهيونية الثانية أودي سيغل فيقول إن آليات التفاوض المصري مع حركة حماس تقوم على التحايل على الحركة، وأن الجانب المصري يعرض "صيغا فضفاضة" تسمح لإسرائيل بعدم احترامها في المستقبل.ويشير يغآل بيرغير إلى أن إصرار الجانب المصري على عدم مناقشة مسألة معبر "رفح" من جانب، ورفضه مجرد مناقشة طلب حركة حماس تدشين ميناء أو مطار في قطاع غزة يهدف بشكل أساس لتقليص هامش المناورة المتاح للحركة، في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل توجيه الضربات لقطاع غزة.هذه الممارسات من قبل الحليفين "المصري الإسرائيلي" على طاولة المفاوضات تعكس مدى صعوبة المهمة التي يقوم بها "المقاومون السياسيون الفلسطينيون" في القاهرة، وقد تعاملوا مع ذلك عبر إقامة تحصينات وبناء "دشم" سياسية قوية عكستها تصريحات قيادات حركة المقاومة الإسلامية حماس وأهمها: "لن يحصل العدو الإسرائيلي على طاولة المفاوضات على ما عجز عن أخذه في الميدان، وأن نزع سلاح المقاومة خط أحمر، فنزع أرواحنا أسهل من نزع سلاحنا، وأن هذا السلاح غير قابل للتفاوض، وأن على العدو الصهيوني الذي خسر الحرب أن يستجيب للمطالب الفلسطينية وعلى رأسها رفع الحصار".لكن هذه المطالب تتعرض للمراوغة "الإسرائيلية-المصرية" عبر تقديم صيغ "هلامية وغامضة وفضفاضة" وتقديم مبادرة مصرية جديدة تقوم على أساس "التدرج" في المطالب" وكلمة "تدرج" هنا تعني تفكيك مطالب الشعب الفلسطيني "خطوة خطوة" وبنعومة بعد أن فشلت الآلة العسكرية والتهديد والوعيد."المقاومون السياسيون الفلسطينيون" يبدعون في القاهرة، كما أبدع المجاهدون والمناضلون على الأرض في قطاع غزة، وهو إبداع سياسي يستجيب لمطالب الشعب الفلسطيني ويعبر عن الوفاء لدماء 2000 شهيد فلسطيني وأكثر من 10 آلاف جريح ونصف مليون مشرد هدمت بيوتهم أو خربت، وهو إبداع لم يكن ليكون لولا الحاضنة الفلسطينية للمقاومة ومجاهديها العسكريين والسياسيين.. إبداع نجح حتى الآن بتفكيك "كمين" مفاوضات القاهرة، وأعاد تعريف الأمور حسب قاموس الانتصار الفلسطيني.