12 سبتمبر 2025

تسجيل

أردوغان.. وحرب العصابات الإعلامية

19 يوليو 2016

استطاع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يرسخ نفسه زعيما محليا وإقليميا وإسلاميا، بل إن شعبيته في العالم العربي تتجاوز كل النجوم العرب مجتمعين في الفن والسياسة والاقتصاد والرياضة، فهو الوحيد القادر على جعل العالم العربي يصغي جيدا لما يقول، ولو ترشح للانتخابات في أي دولة عربية لفاز بالضربة القاضية على جميع خصومه وأعدائه وحساده.أردوغان ليس شخصية عادية، فهو يتمتع بكل صفات القائد والزعيم الجماهيري القادر على الحشد وقلب الطاولة وتغيير مجرى الأحداث بسهولة ويسر وكأنه يقطع قالبا من الزبدة، وهذا ما أثبتته الأحداث الأخيرة في تركيا.يندر أن تجد زعيما في العالم يحترمه خصومه السياسيون إلى هذه الدرجة، إذ رغم خصومتهم وتنافسهم على السلطة إلا أنهم يقرون أنه صادق وأمين ومحارب شرس للفساد، ولا تأخذه في الله لومة لائم، ويقرون بعلو كعبه في إدارة البلاد بكفاءة عالية.لم تأت هذه النظرة والموقف من الزعيم أردوغان من فراغ، لأن وعلى مدى 30 عاما من العمل العام، و15 عاما من السلطة والحكم تمكن من بناء جسور من الثقة بينه وبين الناس العاديين ومع النخب السياسية والثقافية ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات المختلفة باستثناء المؤسسة العسكرية التي بقيت وكرا لعدد كبير من الشياطين الخنس، الذين لا تنفع معهم المواعظ ولا الإنجازات، فهؤلاء العسكر تربوا على الحقد والكراهية والخيانة والانقلاب وتنفيذ أجندات غيرهم، ومن ينظر إلى أسماء ورتب المتورطين في الانقلاب يجد من بينهم مستشار أردوغان العسكري، ومستشار رئيس الأركان، وقادة الجيش الثاني والثالث والبحرية وخفر السواحل، وقائد لواء الكوماندوز الثاني، وقائد الجيش في أضنة، وقائد الجيش في بورصة، وقائد الجيش في لواء إسكندرون، وقائد الجيش في إزمير، والنائب العام للمحكمة العسكرية، و80 ضابطا من مسؤولي الكلية العسكرية، ورئيس المحكمة الدستورية، و10 من أعضاء المحكمة الإدارية العليا، و5 من قضاة المحكمة الدستورية، و2700 قاض آخرين، ومدع عام، وقائد قاعدة إنجرليك الجوية، و2800 ضابط وعسكري برتب مختلفة، وهذا العدد الكبير من الانقلابيين يعني أن المؤسسة العسكرية التركية "مسمومة" وتحتاج إلى تطهير من السموم، وهو ما تعهد به الرئيس أردوغان، وكذلك الجسم القضائي الذي ثبت أنه "متعفن".في مقابل هذا العفن أثبتت النخب السياسية التركية، الإسلامية واليسارية والليبرالية والقومية، باستثناء الحزب الكردي والقوى المرتبطة بالعلويين، أنها على مستوى عال من المسؤولية، فقد رفضت جميعها منذ اللحظة الأولى الانقلاب، واعتبرت أردوغان هو الرئيس الشرعي الوحيد، وأن الانقلاب اعتداء على الديمقراطية والحرية والشعب التركي كله.وفي مقابل خيانة قطاع لا بأس به من العسكر والقضاة، أثبت الشعب التركي أنه على درجة عالية من الوعي والحكمة، وتصرف بناء على ذلك، ولم يحتج هذا الشعب إلى أكثر من رسالة واحدة من الزعيم القائد أردوغان عن طريق "فيس تايم" لمدة 12 ثانية، لينزل إلى الشوارع ويتحدى دبابات الانقلابيين ويتصدى لها ويلقي القبض على هؤلاء الجنود المتمردين وكأنهم دجاج هارب من المزرعة، ويقوم بتأديبهم ويضربهم بالحجارة والأحذية، ويجبرهم على تسليم أسلحتهم وخلع ملابسهم العسكرية، لأن هذه الملابس شرف لا يسحقونه.رسالة إلكترونية واحدة من الرئيس كانت كافية لقلب الأمور رأسا على عقب، وأن يصبح الانقلابيون في حالة دفاع بدل الهجوم، وأن يطلبوا الاستسلام وتأمين حياتهم بدل أن يتسيدوا على الآخرين، وكما قال الرئيس أردوغان بحكمة وقوة: "هؤلاء الانقلابيون حسبوا حساب كل شيء إلا الشعب"، فقد أسقطوه من حساباتهم، وهذا مقتلهم وموطن هزيمتهم.