13 سبتمبر 2025

تسجيل

مستقبلنا إلى أين؟

19 يوليو 2015

الشيء الوحيد الأكيد في العالم العربي أنه لا يوجد أي شيء أكيد، فنحن نعيش في واحد من أسوأ العصور على الإطلاق، حيث تسود حالة من عدم اليقين، ويسيطر القلق والاضطراب والتخلف والجهل والعنف والدم والاعتقال والتهجير، ويكفي أن أشير إلى أننا إذا حسبنا أعداد المهجرين العرب من فلسطين وسوريا والعراق ومصر واليمن والصومال، أستطيع أن أقول إن هذه الهجرة ربما تكون أكبر هجرة عربية منذ انهيار سد مأرب الذي شتت القبائل العربية في الدنيا، فنصف الشعب السوري مهجر وقبله أكثر من نصف الشعب الفلسطيني يعيش في المهاجر والمنافي، يضاف إلى ذلك حالات النزوح والتشريد من الدول العربية الأخرى.يكفي متابعة نشرة إخبارية في واحدة من المحطات الإخبارية لنجد أن الأخبار العربية تتراوح بين القتل والاعتقال والتهجير، وأنها تقبع بين نهرين من الدماء والدموع وما بينهما من براميل متفجرة، وصار كثير من العرب يتفادون متابعة الأخبار، بمن في ذلك مسؤولون في مناصبهم، لكيلا تتحول حياتهم إلى "نكد" وهم وغم.بعيدا عن عقلية رجل المطافئ وشعار تفاءلوا بالخير تجدوه، وضرورة النظر إلى النصف المليء من الكأس، وأوهام الأمل الزائف، فإن الوضع في العالم العربي أكثر سوءا وسوداوية من كل ما تعرضه نشرات الأخبار، يستورد العرب غذاءهم ويطردون عقولهم ويعتمدون على مرجعيات أجنبية في التفكير والتدبير، لا يوجد صناعة، والتجارة ليست أكثر من وكالات للأجنبي، والنظام المالي محكوم بمنظومات غربية تأسر أموالنا وترهننا، فبطاقة الفيزا والشيك البنكي لا يصرف إلا إذا مر على نيويورك، وبنوكنا تابعة لبنوكهم، وأسعار فائدتهم، وأموالنا العربية المسروقة موجودة في بنوك الغرب.نصف شبابنا يعانون من البطالة، وأنظمتنا التعليمية متخلفة ولا تواكب العصر، والإدارة في العالم العربي هي الأسوأ في العالم، وتحتل المراتب الأخيرة دائما، وجامعاتنا غير موجودة في قائمة الجامعات المرموقة المحترمة، ولا وجود لها بين أفضل 400 جامعة في العالم. في عالمنا العربي الواسطة أفضل من كل شهادات الدنيا، وتعامل الكفاءة أحيانا على أنها مرض أو "فيروس" لا بد من التخلص منه، ولذلك نجد الكفاءات إما مهجرة أو مهمشة.في بعض بلادنا يصرف على السجون أكثر مما يصرف على التعليم، وتفضل الأنظمة حذاء عسكري على كل الأقلام والرؤوس، وفي بلادنا لا يجد من الحرية ما يكفي عصفورا واحدا، كما قال الشاعر الكبير نزار قباني.في العالم العربي يجري التسويق أننا في الأمام بينما نسير في الحقيقة إلى الوراء، فحتى الإبر والمسامير "وهي ليست أكثر من قطع من الحديد" نستوردها من الصين، كما نستورد الأمشاط والقمصان والأثواب وحتى سجاجيد الصلاة التي نصلي عليها، حتى هذه السجاجيد يصنعها لنا "الكفار"!العالم العربي يحتاج إلى ثورة في الفكر حتى نخرج من هذا الوضع المتردي البائس، ونحتاج إلى ثورة للعقول العربية لتغيير الأذهان والذهنيات والنفسيات بما يترتب على ذلك من تغيير للثقافة وأساليب العمل، وطرق التعامل مع الوقت، ونحتاج إلى كمية كبيرة من الوعي وهي "السلعة المفقودة" في العالم العربي.الوعي هو اليورانيوم المخصب لتشغيل مفاعلات العقل العربي، وهو المادة الفعالة في الدواء لمعالجة كل الأمراض العقلية والنفسية العربية، وهو الاكسير المطلوب لإشاعة الروح في الجسد العربي الميت.لن يكون هناك وعي بلا إسلام، فالإسلام هو المادة الفعالة وهو العمود الفقري للتغيير وإشاعة الوعي في العالم العربي، وهو وعي يبدأ من "اقرأ" و"يعقل" و"يتفكر" و"يعمل" و"يغير"، لأن التغيير يبدأ من النفس "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، وليس من تغيير في النفس بلا وعي، وليس من وعي دون امتلاك القيمة الكبرى في الحياة ألا وهي "الحرية".نحتاج إلى الانطلاق والانعتاق من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن ظلم الأديان إلى عدل الإسلام، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.. من هنا نبدأ، وغير ذلك فإننا سنهوي في هوة سحيقة لا قرار لها.