15 سبتمبر 2025
تسجيلمن أهم وسائل تزكية النفوس، تربيتها على الصدق، الذي يطهرها من دنس الغش، الذي يقف في الناحية المقابلة للصدق، ومن مظاهر الغش أو الكذب، فهما كالشيء الواحد، الغش في البيع، يقول عليه الصلاة والسلام:(لا يحل لامرئٍ مسلم يبيع سلعة يعلم أنّ بها داءً، إلا أخبر به)، فرسول الله، عليه الصلاة والسلام، يحرّم الغش وينهي عنه، ويدعو المسلم إلى الصدق والصراحة، وبيان إن كان هناك في السلعة أي عيب أو فساد، لكيلا يشيع الخداع، وأكل أموال الناس بالباطل، فتضمحل الثقة فيما بين الناس، وتتلاشى الأمانة، وتاليا تفسد بينهم العلاقات، وتسودها العداوات.جاء في حديث آخر، أن رسول الله عليه الصلاة والسلام، مر برجل يبيع طعاماً- حبوباً- فأعجبه، فأدخل يده فيه، فرأى بللاً، فقال:(ما هذا يا صاحبالطعام؟) قال: أصابته السماء –أي المطر- فقال عليه الصلاة والسلام:(فهلاّ جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس؟ من غشنا فليس منا)، الجملة الأخيرة منهذا الحديث مشهورة، ربما يعرفها ويرددها الجميع، ولكن مما يؤسف له، أنها لم تأخذ حيزها من الاعتقاد ثم من العمل، في نفوس الجميع، ومعنى قوله:(ليس منا)، أي ليس ممن يتصف بأخلاق وشيم وصفات المسلمين، أي أنّ الكاذب الغشاش، مسلم بوصف الاسم فقط، أو بشهادة بطاقة الإثبات، وبما يطلقعليه من أسماء المسلمين، وليس معه من الإسلام، إلا الدعاوى الفارغة الزائفة، والانتساب الكاذب الباطل. وهاكَ مثال مشرق باهر، من سيرة أحد الصحابة، وهو جرير بن عبدالله البَجْليّ، رضي الله عنه، خذ منه واستفد ما شئت من مكارم الأخلاق، مِثل الصدق في المعاملة، والنصح والأمانة، وحب الخير للغير، والوفاء وغيرها، وهو أنه رضي الله عنه، أمر مولاه أن يشتري فرساً، فاشترى له فرساً بثلاثمائة درهم، وجاء به، وبصاحبه لينقده الثمن، فقال جرير لصاحب الفرس: فرسك خير من ثلاثمائة درهم، أتبيعه بأربعمائة درهم؟ قال: ذلك إليك يا أبا عبدالله، فقال: فرسك خير من ذلك أتبيعه بخمسمائة درهم؟ ثم لم يزل يزيده مائة فمائة وصاحب الفرس يرضى، وجرير يقول: فرسك خير إلى أن بلغ ثمانمائة درهم فاشتراه بها، فقيل له في ذلك فقال: إني قد بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، على النصح لكل مسلم. نحن لا نقول للناس كونوا كهذا الصحابي الجليل، وافعلوا كما فعل، فإن تلك منزلة إيمانية عليا، لا يبلغها إلا من اتبع هدى الله، وزكّى نفسه فأفلحَ، بتوفيقٍ من ربه، ولكن نقول دعوا عنكم الغش والزور، والتزموا جانب الصدق والحق، وقد أنعمت النظر فيما فعله هذا الصحابي رضي الله عنه، وفي زيادته ثمن الفرس مائة فمائة، مرات عديدة، ولماذا لم يزد في ثمنه الزيادة التي تستحقها قيمة الفرس من مرة واحدة؟! فوصَلْت إلى أنه فعل ذلك، ليدخلَ الفرح السرور في نفس صاحب الفرس، في كل مرة يزيد له فيها مائة وأيضاً لكي يعلم القيمة التي يرضى بها الرجل الرضا البالغ، فيقف عندها حينئذٍ، ولا أروع ولا أكرم من هذا الخلق، وهذه الصنيعة، وفي الحديث الشريف:(أحب الأعمال إلى الله عز وجل، سرورٌ تدخله على مسلم)، وفي حديث آخر:(لا يكون المؤمن مؤمناً، حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه).