19 سبتمبر 2025
تسجيلثمة ظواهر سلبية تسربت إلى حياتنا الثقافية دون أن نلتفت إليها ونبحث عن أسبابها وأهدافها والظروف التي ساعدت على إشاعتها في الوسط الثقافي، وهو بطبيعة الحال ليس وسطا ملائكيا، ولكن يفترض توافر الحد الأدنى من الالتزام الأخلاقي حين التعاطي مع الشأن الثقافي، فالثقافة تسمو بعقل المثقف إلى درجة يصبح معها قادرا على تقدير الأمور، والنظر إليها بتوازن يستبعد هيجان العاطفة، ويتحاشى الانزلاق في وحل الإساءة للغير لمجرد الاختلاف في الرأي، وهو اختلاف في قضايا قابلة للاختلاف، فلم يكن الشأن الثقافي محل إجماع في يوم من الأيام.. وتتذكر أياما كان يسودها الود والبساطة والتفاهم وتبادل الرأي بمنتهى الحرية، واحترام الرأي الآخر مهما كان البون شاسعا بين ما تقول وما يقول غيرك.. تلك أخلاق فقدناها أو كدنا نفقدها، في زحمة الهوس بالأنا، والتمحور حولها بشكل يشكل خطرا عليها وعلى الآخرين. هل جربت يوما أن تقول رأيك في وضع ثقافي معين، دون أن تمس شخصا بعينه، ولا شأنا بذاته، وإنما تبنيت رأيا ثقافيا بناء على قناعتك الذاتية، وثقافتك المكتسبة؟ فماذا ستكون النتيجة؟ مع التسليم بأن ما تراه صحيحا ربما لا يكون كذلك في حقيقة الأمر؟ ستجد نفسك محاصرا بأصناف من الشتائم المقذعة المفتقرة لأبسط قواعد الحوار، بل والموغلة في البذاءة التي تترفع حتى الكلاب عن الولوغ في مستنقعها الآسن، وستكون مستهدفا لمن يخالفك الرأي، لماذا؟ لأن رأيك لم يعجب فلانا من الناس، فاستعدى عليك أمة محمد لردعك عن موقفك.. سهام تأتيك من كل اتجاه، ونعوت تنهال عليك من كل حدب وصوب، فتنظر إلى كل هذا وتنحاز إلى الذين إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما.. إما إذا طرحت تلك الأسئلة الصعبة عن الأسباب والأهداف، فستجد أن الجهل وضيق الأفق والرغبة الشديدة في إقصاء كل الآراء من أجل رأي واحد، وغياب الممارسة المسئولة لحرية الرأي، والانغلاق المذهبي الأرعن.. في مقدمة تلك الأسباب، أما الأهداف فهي معروفة، وفي مقدمتها تكميم الأفواه، والسيطرة على الجو الثقافي، وفرض أحادية التفكير، وسد باب الرأي الحر، والاستئثار بالاهتمام من قبل الجميع. وسواء كانت هذه أهدافا أو نتائج لتلك الأسباب فالأمر سيان، لأن المحصلة النهائية هي ثقافة مشوهة عاجزة عن استيعاب المختلف.. ثقافة عرجاء غير قادرة على الوقوف في وجه التحديات، والتصدي للعراقيل والاحباطات، بل وتسهم في تمهيد الطريق لنمو الطفيليات السرطانية الضارة في واحة الثقافة التي يفترض أن تكون مزهرة بالخير والحب والجمال.. وساعدت على هذا الانحراف الثقافي منتديات على الشبكة العنكبوتية.. نذر أصحابها أنفسهم لكل ما هو قبيح وسيئ، ولكل ما هو ضد فطرة الإنسان الخيرة، وأخلاقه النبيلة، وسمو غاياته، وذلك السلوك وجه آخر من وجوه الجهل الذي يعشش في نفوس ضعاف النفوس.. حين التعامل مع منجزات العصر الإلكترونية، بعقلية ترسف في أغلال الاعتقاد بأنك إن لم تكن معي فأنت ضدي.. وهي عقيدة فاسدة جلبت المتاعب على أصحابها عبر سلسلة من الأحداث المعروفة لدى الكثيرين. هل أنت مستعد للدخول في جدال عقيم وعلى هذا المستوى من التفكير؟ إن فعلت فلن تختلف في شيء عن تلك الكائنات شبه البشرية، لذلك عليك أن تمضي في سبيلك مدافعا عن رأيك وفكرك وقناعاتك.. وأنت تستمع إلى قول العقل وهو يحثك: دع القافلة تسير، دون أن تحتاج لذكر مقدمة هذا المثل. [email protected]