12 سبتمبر 2025
تسجيللا أحب النهايات. كل النهايات. هكذا ببساطة ووضوح شديد أخيرا. يجب أن أعترف بهذا لنفسي على الأقل حتى لا أبحث عن حجج وأعذار لي وأنا أغادر المسرحية قبل أن يسدل الستار على آخر مشهد غير آبه بتصفيق الجمهور. وحتى لا أشعر بالحسرة وأنا أحاول تذكر عدد مشاهد النهاية التي لا أعرفها ومصائر الأبطال الذين تركتهم يصارعون أقدارهم في آخر صفحة في رواياتي المفضلة قبل أن أنسل خارجة من كل رواية أقرأها بمتعة وشغف. كم تمنيت لو أن منطق الأحداث يجعلها ببدايات محددة ونهايات مفتوحة على كل احتمالات الكون. لماذا تنتهي الحكايات والعلاقات والكتب والأفلام والأغنيات وحتى الأفراح والأحزان؟ ألا يكفي موت البشر نهاية تكفي لأن تكون هي النهاية الحقيقية واليقين الأوحد الذي يمكن أن نصدقه في حياتنا؟ أشعر بأسى حقيقي كلما اقتربت من نهاية الكتاب الذي أقرأه باستمتاع. وما أن أصل للصفحات الخمس الأخيرة حتى أجدني وقد تركت الكتاب مقاومة شوقي لمعرفة النهاية. أتركه أياما وأسابيع وأحيانا شهورا طويلة قبل أن أعود إليه لأقرأ تلك النهاية المؤجلة وكأنها مجرد بداية!. الأفلام أيضا أتركها قبل المشهد الأخير، وأحيانا أجدني وقد خفضت الصوت قبل أن ينتهي الفيلم حتى لا أتيقن من معرفة تفاصيل النهاية بدقة. أما أن كنت أشاهده في قاعة السينما مع الآخرين، فليس أمامي سوى أن أتشاغل بذكرياتي وأنا أتابع المشهد الأخير، متخيلة أحداثا لم تكن تجري أمامي وكلمات لا أسمعهم يقولونها، فلا أتحرر حتى أتجاوز كلمة النهاية بغموض ما. لا تهمني كثيرا مصائر الأبطال النهائية وأنا التي عشت معهم على الورقة أو على الشاشة بكل جوارحي، فالأهم من ذلك أن يبقوا هكذا دائما في منطقة انتظاراتي وتوقعاتي من دون يقين حقيقي. يحدث هذا أيضا في مقاطع الفيديو التي تعج بها وسائل التواصل الاجتماعي هذه الأيام، فما أن أفتح أحد المقاطع حتى أراقب الشريط السفلي وهو يمضي مقتربا من النهاية لأغلق المقطع قبل أن ينتهي. أما الأغاني فلا أكاد أتذكر أنني وصلت لأغنية حتى نهايتها إلا أغنيات أم كلثوم. ويحدث هذا أيضا في حياتي الشخصية للأسف. في كل علاقاتي الخاصة تقريبا كنت أتحرق شوقا لكي أصل للمشهد ما قبل الأخير فإذا وصلته عدت أدراجي من حيث بدأت تلقائيا. أما العلاقات التي أعرف أطرافها فقد كنت دائما أمضي معهم فيها بحماسة الحياة دائما قبل أن أصل نقطة النهاية في أي حكاية بقليل. لم يسبق لي أن فكرت بتفسير ما يحدث، حتى إن الأمر لم يكن ليلفت انتباهي ولم أكن أعتبره غريبا، ولماذا أخاف من بلوغ النهايات، فقد كان ما يحدث لي من طبائع الأمور، حتى عشت نهايات حيوات أشخاص أحبهم، فكان أن أصبحت تلك النهايات الحقيقية هي رعبي الذي لا أريد أن يتكرر في حكايات أقل مأساوية من مأساوية موت من أحب. في وقائع الموت الذي واجهته في سنواتي الأخيرة كثيرا وجدتني أحاول تفسير ما يحدث، لعلي أنتظر قليلا لأرى النهاية قبل أن يموت شخص آخر غير من فقدتهم بين يدي. صار واضحا أمامي أننا نعيش في دائرة واسعة جدا، وأن النهايات مجرد نقطة نسبية، فما يراه أحد نهاية يراه آخر بداية، وما كنت أخاف من بلوغه في كتاب أو مسرحية أو فيلم أو حكاية حقيقية، كنت أعيشه وأتجاوزه أحيانا من دون أن أدري، وأن النهايات مجرد كذبة كبيرة، فلا شيء ينتهي بيقين تام، ذلك أن وراء الكواليس أحداثا أخرى في سياق الفيلم، وفي جعبة الكاتب الكثير مما لم يكتبه قبل أن يضع نقطة في نهاية السطر الأخير من الرواية استعدادا للنشر. وأن الحياة أوسع بكثير من مجرد كلمة "ذا إند" على الشاشة!.