16 سبتمبر 2025
تسجيلإن الميزان الذي وضعه الإسلام في حالة الدعوة، والسلم والتعايش (الذي هو الأصل في الإسلام) هو التعامل باللين والرفق والأخلاق العظيمة، ومقابلة السيئة بالحسنة، والحوار بالأفضل والجدال بالتي هي أحسن.فقد أوجب الإسلام أن تكون الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والحوار والجدال بالتي هي أحسن فقال تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، وهذا يقتضي أن يسعى المؤمن لتعلم الحكمة في القول والفعل والأسلوب عندما يدعو، ويختار الموعظة الحسنة، وأن لا يجادل إلاّ بالتي هي أحسن، وهذا أنه إذا لم يستعمل الأحسن فهو قد خالف الأمر الرباني.(3) خطابنا يجمع بين الأصالة والمعاصرة، والتأصيل والتجديد، والحكمة والموعظة الحسنة:وقد شبه القرآن الكريم الكلمة الطيبة بالشجرة الطيبة التي لها أصول ثابتة تستقر وتتمدد، وجذور تصمد وتبقى، وأغصان تقطع لتتجدد وتتقوى، وأوراق تخضّر فيكون لها جمال، ثم تصفّر فتتساقط، وثمار يانعة تصبح ذات فائدة، وهكذا الكلمة الطيبة، حيث يقول الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ). فالكلمة الطيبة لا بدّ أن تنطلق من ثوابت الإسلام، ولا تتجاوزها، وتخرج من بوتقة الهوية ولا تحزمها، ثم عليها أن تتسع وتتمدد وتعلو وتشمخ في إطار المتغيرات والاجتهادات العصرية التي تكون هي الأكثر، والمجال الأرحب، لأن مساحة الثوابت - كجذور الشجرة - أقل وأصغر من الأغصان والمتغيرات.ثم إن هذه الكلمة تحتاج إلى دراسة وتخطيط ، وإلى رعاية وعناية حتى تثمر (تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا)، وإلاّ فأي كلمة دون نفع فلا خير فيها، وهذا ما أكده الرسول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).ومن هنا يجب على الدعاة والخطباء، والكتاب والباحثين أن يلتزموا بالكلمة الطيبة حسبما وصفها الله تعالى في هذه الآية الكريمة.(4) أن يكون الخطاب متنوعاً ومراعياً ظروف المخاطبين، وعقولهم، وأفهامهم، وثقافتهم، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (خاطبوا الناس على قدر عقولهم، أتحبون أن يكذب الله ورسوله)، فقد كان من هدي رسول صلى الله عليه وسلم أنه كان يخاطب الأعرابي بما يفهمه في بيئته، ولذلك أقنع أحدهم حينما شك في ولده الأسود بما كان لديه من إبل حمر يكون بينها أورق، فقال الأعرابي: (أراه عرق نزعه) فقال صلى الله عليه وسلم: (لعل هذا نزعة عرق) فاقتنع الأعرابي وعاد إلى أهله.