01 نوفمبر 2025
تسجيلاختلف الطريق إلى الانتخابات البرلمانية التركية التي جرت هذا الشهر في تركيا عن سابقاتها في ارتباطها بشكل أكبر بمعركة الوعي الجارية بين حزب العدالة والتنمية الذي تسلم السلطة منذ حوالي 13 عاما، وبين باقي الأحزاب العلمانية والقومية التي تسعى بكل ما أوتيت من قوة، وبتحالفات داخلية مع قوى الدولة العلمانية العميقة التي أسسها أتاتورك للقضاء على الإسلام في البلاد، وتحالفات خارجية مع قوى إقليمية ودولية لا تريد لأي مشروع إسلامي أن ينجح في حكم دولة، خاصة إذا كانت محورية مثل الدولة التركية.وطوال الأعوام التي حكم فيها حزب العدالة والتنمية ارتكز في مواجهة هذه الحرب على محاولة السير في خطين متوازيين: الأول يتعلق بتحقيق إنجازات اقتصادية وسياسية حولت تركيا إلى دولة متقدمة اقتصاديا، حيث تعتبر من أقوى عشر دول على مستوى العالم، ويصل نصيب الفرد فيها إلى أكثر من عشرة آلاف دولار سنويا وفقا لتقرير البنك الدولي العام الماضي.وعلى المستوى السياسي استطاع الحزب تحقيق نجاحات في تكريس النهج الديمقراطي في المجتمع والدولة التركية من خلال الحد من الآثار السلبية لممارسات الأحزاب العلمانية التي كانت تحكم تركيا طوال أكثر من ثمانين عاما، فضلا عن إدخال تعديلات على الدستور التركي الذي تم وضعه في بداية ثمانينيات القرن العشرين بعد انقلاب عسكري كان الهدف منه القضاء على تجربة إسلامية مماثلة.أما الخط الثاني فيتعلق بقضية الوعي والهوية من خلال التركيز على ضرورة استعادة الهوية الإسلامية والمجد العثماني، حتى أن كثيرين أطلقوا على زعيم الحزب، رجب طيب أردوغان السلطان العثماني الجديد، باعث العثمانية. ومع تحقيق هذه النجاحات تزايد أعداء الحزب داخليا وخارجيا لوقف هذا التقدم. فنشأ تحالف أكثر قوة ورغبة في التخلص من التجربة الإسلامية الجديدة في تركيا من خلال اللعب على وعي الشعب التركي الذي لم يزل غير ناضج إلى الدرجة التي تؤهله لاتخاذ القرار الصحيح في فترات التحول التاريخي التي يمر بها الآن. ولعبت القوى الداخلية الدور التنفيذي في المخطط مع مؤازرة من القوى الخارجية التي كان لديها الاستعداد لإنفاق مئات المليارات من الدولارات لهزيمة حزب العدالة والتنمية.ويمكن رصد العديد من الخطط التي تم تنفيذها بدقة لتشويه الحزب وزعاماته، خاصة الرئيس أردوغان لما يملك من كاريزما ساعدت الحزب كثيرا في تخطي الكثير من العقبات في السنوات الماضية. فجاءت قضية الفساد لبعض الوزراء وأعضاء الحزب وأبنائهم منذ عامين، وكذلك ما ينشره الإعلام الإقليمي والدولي بشكل يومي عن بذخ أردوغان وأعضاء حكومته وحزبه، إضافة إلى قضية الكيان الموازي الذي تمثله منظمة فتح الله جولن الذي يستخدمه الغرب في محاولة الإطاحة بحزب العدالة والتنمية.وقد استطاعت هذه الخطط الحد من قوة الحزب لدى الشعب التركي الذي اتخذ قرارا بسحب قدرة الحزب على تشكيل الحكومة بمفرده من خلال التصويت بنسبة أقل من تلك التي حصل عليها الحزب في المرات السابقة. وأتى ذلك متسقا مع لعبة أحزاب المعارضة بأن يتم التصويت لحزب الأكراد، بحيث يتمكن من كسر عتبة الـ10% فيحرم حزب العدالة من الحصول على مقاعد تتيح له تشكيل الحكومة منفردا، وهو ما تحقق بحصول الأكراد على حوالي 13% بفضل تصويت أنصار أحزاب أخرى له في إطار هندسة سياسية تم لعبها من قبل المعارضة باحتراف. وهذا الأمر الذي سيجعل الحزب في معرض الابتزاز من أحزاب المعارضة العلمانية التي يمكن أن ترفض حتى مجرد فكرة التحالف مع الحزب، والعمل على التحالف مع باقي الأحزاب الفائزة في الانتخابات، وهي حزب الحركة القومية وحزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، وذلك من أجل إخراج حزب العدالة والتنمية من السلطة تماما وتحويله إلى حزب معارض.لكن السيناريو الآخر المطروح هو عدم القدرة على تشكيل حكومة ائتلافية في ظل الاختلافات الجذرية بين تلك الأحزاب، وبينها وبين حزب العدالة والتنمية، مما يدفع نحو انتخابات مبكرة خلال ثلاثة أشهر. وحينها قد يصحح الشعب التركي قراره بعد أن يكون قد استوعب الدرس جيدا.