12 سبتمبر 2025

تسجيل

الطمع رأس كل بلية

19 يونيو 2014

إن رابطة الدين هي أعظم وأقوى الروابط على الإطلاق التي تربط أمة الإسلام بعضهم ببعض فتراهم يدا واحدة قلوبهم نقية وألسنتهم ندية يسعون لرضا الله والخشية منه يعملون ليوم لا ينفع فيه مال ولابنون، فهي أقوى من رابطة المصالح التي تنقطع باختلاف المصالح حتى إن الأخ قد يقتل أخاه إذا تعارضت المصالح، أما رابطة الدين فإنها لا تنفك أبدا لأن الله جعل المؤمنين إخوة، فهذه الرابطة لا يقطعها ما يقطع بقية الروابط فهي مستمرة ومن حقوقها أن يهتم المسلم بشأن إخوانه المسلمين وإن اختلفت الأوطان وتعددت اللغات وتباعدت الأجساد، فمثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، فالإيمان يزيد وينقص،يزيد بالطاعة والأعمال الصالحة وينقص بالمعصية والسيئة، فالأعمال كثيرة ومتنوعة ولعل أهمها أعمال القلوب من خوف ورجاء وتوكل وإنابة ويقين وورع وإخلاص ومراقبة، فإن هدي الدين الحنيف في تربية النفوس قائم على التواد والتقارب، ومن هنا لا تباغض ولا تحاسد ولا تدابر في حياة المسلم الصادق وكيف يكون في حياته شيء من هذه الأخلاق الوضيعة وهو يتأمل هدي الإسلام التي كلها حب وتعاطف وتآخ.فالمسلم الحق يشعر بارتباطه بإخوانه المسلمين في كل مكان فيتألم لآلامهم ويفرح لأفراحهم،ويبذل ما يستطيع لتفريج كرباتهم فلا يحمل قلبه عليهم غلا ولا حقدا وأقل أحواله أنه لا يغفل عن الدعاء لإخوانه بظاهر الغيب، فلا يقوم العبد على الشحناء والطمع إلا إذا كان في قلبه مرض وفي طبعه جفوة وفي فطرته التواء، لذلك ينبغي للإنسان المطمئن النفس الهادئ الفؤاد أن يصدر كل ليلة عفوا عاما عن كل من أساء إليه طيلة النهار بكلمة أو مقالة أو غيبة أو شتم أو أي نوع من أنواع الأذى، وبهذه الطريقة سوف يكسب الإنسان الأمن الداخلي والاستقرار النفسي والعفو من الرحمن الرحيم، وطريقة العفو العام عن كل مسيء هي أفضل دواء في العالم لمن أراد الحياة في أبهج صورها وأبهى حللها فليغسل قلب بالعفو ويملأه بالغفران ويقو ل:(إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق) رواه مسلم، فما من شيء أفسد لدين المرء من الطمع في شهوات الدنيا من مال أو منصب أو جاه، ذلك أن العبد إذا استرسل مع الأمنيات استعبدته فالعبد حر ما قنع والحر عبد ما طمع لذا كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من نفس لا تشبع لأن الطمع يمحق البركة ويشعر النفس بحالة الفقر الدائم، فالطمع يعمي الانسان عن طريق الصواب ويودي به الى طريق الهلاك فالطمع يكون للإنسان مثل السراب يركض ويلهث وراءه فعندما يصل اليه يجده سرابا فلا يحصل إلا الندامة والخسران والطمع لا يعترف بأي شيء جميل بل يسرق كل شيء جيد وكل شعور حسن، فيكون الانسان من الخارج غنيا لكنه في الداخل فقيرا لما لديه من شعور بالنقص وسعيا وراء وساوس الشيطان في طلب المزيد وطبعا في هذه الايام الامثلة كثيرة عن طمع الانسان وحرصه على امتلاك ما ليس له والنظر فيما عند الناس لما طويت عليه نفسه من حقد على الآخرين،وهذا ما نراه من تخريب للنفوس وتدمير للروابط والقيم.إن الناس همهم الوحيد هو كيفية جمع المال وكأنهم ينسون أن الرزق مقدر من عند الله،ومهما عملوا او فعلوا فلن يحصلوا أكثر مما قسمه الله لهم، فلو كان لابن آدم واد من ذهب لابتغى إليه ثانيا ولو كان له واديان لابتغى لهما ثالثا ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب فعن سهل بن سعد الساعدي قال:جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس فقال ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس، فمن كان قوي الإيمان صحيح اليقين وثق بالله في أموره كلها وأحسن التوكل عليه وترك المزاحمة على فضول الدنيا وانشغل بما يقربه من الله تعالى من أنواع العبادة، فإذا انشغل المرء بذلك ورضي بما قسم الله له من نعم الدنيا ووطن نفسه على القناعة بما رزق منها وعلى الاعتدال من أمرها في الطعام واللباس فمن تحقق من ذلك كان زاهدا وكان غنيا وإن خلت يده من فضول الدنيا، فهنيئا لمن بات والناس يدعون له، وويل لمن نام والناس يدعون عليه وبشرى لمن أحبته القلوب ويا خسارة من لعنته الألسن، فإذا أقامك الله في حالة فلا تطلب غيرها لأنه عليم بك، فما للعبد إلا أن يرضى بحكم ربه ويفوض الأمر إليه ويكتفي بكفاية ربه وخالقه ومولاه فهو نعم المولى ونعم النصير.