16 سبتمبر 2025
تسجيلدول التعاون توفر مستوى راقيا من خدمات التعليم والصحة على مدى خمسين عاما مرت البلدان النامية، بما فيها العربية بتجارب تنموية عديدة، حقق بعضها نجاحات مميزة وتقدما ملفتا للنظر أدى إلى تحسين مستويات المعيشة لمواطنيه، في حين تراكم لدى البعض الآخر الإخفاق تلو الآخر، مما أدى إلى محاولاته المتكررة لترويج الشعارات لتغطية هذا الفشل التنموي. بعد هذه الفترة الزمنية الطويلة تكشفت الكثير من الحقائق التي لا يمكن دحضها، كما أن وسائل الاتصال الحديثة وشبكة المعلومات التي لا حدود لها أفرغت هذه الشعارات من محتواها، بحيث استطاعت شعوب هذه البلدان الاطلاع على تجارب بعضها البعض دون تزييف. والحال، فإن البلدان النامية التي أدى نموها السريع وحسن استثمار مواردها، كالهند والبرازيل ودول مجلس التعاون الخليجي إلى إعادة تصنيفها لتخرج من عباءة البلدان النامية إلى ما يطلق عليه بالبلدان الصاعدة والتي تعتبر الأسرع نموا في العالم والتي يتوقع لها أن تلحق في غضون العقدين القادمين بالبلدان المتقدمة، خصوصا وأنها أقامت بنية تحتية تؤهلها لمثل هذه النقلة النوعية المتوقعة. في المقابل، ما زالت بلدان نامية أخرى، وبعضها فاحش الثراء تعاني من الفقر والتخلف بسبب سوء استخدام مواردها خلال الثلاثة عقود الماضية وتركيزها على التسلح غير المنتج ومحاولة دخول النادي النووي وإنفاق مليارات الدولارات في عمليات تمويل أنشطة خارجية، مما أضاع عليها عقود من التنمية التي كان يمكن أن ينقلها إلى مواقع متقدمة في العلاقات الاقتصادية الدولية الجديدة. ومع أن الإنفاق العسكري مرتفع في المجموعة الأولى أيضا، إلا أن ذلك لا يؤثر حتى الآن بصورة كبيرة على برامجها التنموية، بل إن جزءا من هذا الإنفاق يحدث للأسف لمواجهة التهديدات التي تأتي من بلدان التطرف الأخرى، مما يؤدي إلى سباق للتسلح يلحق الضرر باقتصاديات البلدان النامية بشكل عام. والمفارقة الغريبة هنا أن بلدان المجموعة الأولى، وبالأخص دول التعاون الخليجي قدمت مساعدات غير مشروطة بمئات المليارات للبلدان النامية الفقيرة خلال العقود الماضية، بل ونفذت هناك مشاريع حيوية لاقتصاديات هذه البلدان، كما تشير إلى ذلك تقارير منظمات الأمم المتحدة المهتمة بالتنمية، في حين مولت بلدان المجموعة الثانية عمليات وأنشطة أدت أعمالها إلى تخريب اقتصادي وهروب لرؤوس الأموال وتضرر مصالح فئات واسعة من المجتمع، وبالأخص في تلك البلدان التي تعتمد في اقتصادها على قطاعي السياحة والخدمات. الآن وبعد أن انجلت الكثير من الحقائق بفضل وسائل الاتصال المتطورة والتي لا يمكن إخفاؤها تحاول بلدان المجموعة الثانية وبصورة مستميتة تصدير فشلها لبلدان المجموعة الأولى تحت شعارات بالية مشابهة لفترتي الستينات والسبعينات، تلك الشعارات التي لا يمكن تمريرها دون استنادها إما على أسس طائفية أو دينية، في محاولة لاستغلال ولاء الناس البسطاء لهذه الاعتبارات التي فطروا عليها والتي تشكل جزءا من هويتهم وتكوينهم الشخصي. والحقيقة إن محاولات تصدير الفشل والاستحواذ على مكتسبات الآخرين الاقتصادية والمعيشية توجه لا جدوى منه، بل إنه سوف يؤدي في نهاية المطاف إلى الإضرار بمصالح كافة الأطراف، فبلدان المجموعة الأولى وبفضل بنيتها الاقتصادية القوية قادرة على الدفاع عن مكتسباتها. وحتى لا نبقى ضمن العموميات يمكن الإشارة إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي الست جميعها تتمتع من بين بلدان منطقة الخليج والشرق الأوسط النفطية بأعلى معدل لدخل الفرد من الناتج القومي، كما أنها توفر مستوى راق من الخدمات الإسكانية المجانية أو شبه المجانية لمواطنيها، هذا إضافة إلى خدمات التعليم والصحة والكهرباء والإسكان والتي وضعتها في مرتبة متقدمة في تقارير التنمية البشرية الصادرة عن الأمم المتحدة، حيث تحتل دولة الإمارات وقطر والبحرين والكويت المراتب الأربع الأولى في معظم هذه التقارير السنوية. وعلى العكس من ذلك يقبع نصف سكان بعض بلدان المنطقة الثرية والمنتجة للنفط تحت خط الفقر وتشكل البطالة نسبة تصل إلى 30% هذا إضافة إلى نقص إمدادات الخدمات الأساسية، كالكهرباء والمياه والخدمات الإسكانية والتي لا يمكن الاستغناء عنها، مما يدعو شعوب هذه البلدان للاستفسار أين تذهب مئات المليارات من عائدات النفط السنوية؟ أسلوب الإنفاق ومحاولات تصدير الأيدلوجيات التي تسير فيه بلدان المجموعة الثانية، هو طريق مسدود ولا طائل من ورائه، أما البديل، فإنه يكمن في العمل من أجل التعايش السلمي وتوجيه الموارد لخدمة التنمية ورفع مستويات المعيشة، حيث يمكن لدول مجلس التعاون تقديم خبراتها في هذا المجال، إذ يمكن لمثل هذا التعاون أن يساهم في وضع الجميع في خانة البلدان الصاعدة، خصوصا أن بلدان المجموعة الثانية تتمتع بطاقات مادية وبشرية كبيرة ولم تستغل بصورة مجدية حتى الآن.