18 سبتمبر 2025
تسجيللعب العلماء المسلمون دورًا رائدًا وأساسيًا في تطور العلوم المختلفة؛ حيث كانت إسهاماتهم مميزة؛ لأنهم استخدموا نهجًا مغايرًا لغيرهم من السابقين في تطور تلك العلوم، ومن بينها علم الفلك، فحرصوا على تطوير الآلات التي تُستخدم في الأرصاد الفلكية، فحققوا نتائج أفضل من سابقيهم، وقد ذكر حاجي خليفة في كتابه "كشف الظنون" عددًا من الأجهزة الفلكية، فقال: "إن علم الآلات الرصدية هو فرع من فروع علم الهيئة (يقصد علم الفلك)، وهو علم يتعرف منه كيفية تصنيع الآلات الرصدية قبل الشروع بالرصد، فإن الرصد لا يتم إلا بآلات كثيرة". نشط علم الفلك في الحضارة الإسلامية في عدة مراحل، ولعل الاهتمام برصد ومتابعة الأهِلَّة لتحديد مواعيد الأشهر الهجرية كان بداية للاهتمام بعلم الفلك عند المسلمين، فقد حرص العلماء المسلمون على بناء مراصد فلكية عديدة في مناطق مختلفة من الدولة الإسلامية مثل بغداد، والقاهرة، وقرطبة، وسمرقند، والرقة وغيرها، واكتسبت تلك المراصد شهرة فائقة امتد أثرها مئات السنين وكانت نتائج أبحاثها مرجعًا لعلماء الفلك قديمًا وحديثًا، ولقد حصل علماء الفلك المسلمون على نتائج أكثر دقة من تلك التي حصل عليها علماء الفلك اليونايون، والفرس، والهنود؛ وذلك لأن العلماء المسلمين اعتمدوا الأرصاد التي قاموا بها، ثم اعتمد بعد ذلك علماء أوروبا مثل كبلر وكوبرينكس وغيرهما على تلك النتائج إبان النهضة الأوروبية؛ ولهذا فقد أضاف علماء الفلك المسلمون إضافات ذات أثر واسع في علم الفلك، فاستطاعوا تحويل علم الفلك من المجال النظري إلى مجال التجارب العملية، وهذا ساعدهم على محاربة خرافات التنجيم. لقد برع العديد من العلماء المسلمين في تطوير العديد من الأجهزة الفلكية المستخدمة في الرصد، فنجد أن البنتاني اشتهر برصد الأجرام السماوية والكواكب على الرغم من عدم توافر الآلات الفلكية مثل التي تُستخدم حاليًا، فقد تمكن من جمع أرصاد مازالت محل إعجاب وتقدير علماء الفلك في العصر الحديث، وقام ابن يونس باختراع (البندول) في القرن العاشر الميلادي واستعمله لقياس الزمن، وقام ابن الهيثم بدراسة ظواهر انكسار الضوء وانعكاسه بشكل مفصل، وخالف الآراء القديمة كنظريات بطليموس، فنفى أن الرؤية تتم بواسطة أشعة تنبعث من العين، كما أسس لعلم العدسات البصرية، والتي كانت مدخل لصناعة الكاميرا. لم تقف جهود العلماء المسلمين عند هذا الحد، بل قاموا بقياس محيط الكرة الأرضية بكل دقة، وذلك في عهد الخليفة العباسي المأمون، وقام العالم الفلكي أبو الريحان البيروني بوضع معادلة رياضية لحساب محيط الأرض، وهي تُستخدم حتى وقتنا الحاضر، وتُعرف عند علماء الغرب بقاعدة البيروني لحساب نصف قطر الأرض. وقام كذلك علماء الفلك المسلمين باكتشاف النجوم وتقسيمها إلى مجموعات نجمية، حيث قاموا بتسمية تلك النجوم بأسماء عربية لا تزال تحمل هذه الأسماء العربية حتى الوقت الحاضر مثل: سُهيل، والجوزاء، والدب الأكبر، والدب الأصغر، والنسر الطائر، وغيرها العديد من الأسماء العربية. كل هذه الجهود والتطورات ما هي إلا جزء بسيط مما قام به وقدمه علماء الفلك المسلمين في تطور وتقدم علم الفلك الذي نستطيع أن نرى أثره في وقتنا الحاضر.