16 سبتمبر 2025

تسجيل

جراح أرباب العلم

19 مايو 2016

إن الإنسان الحق هو الذي أكرمه الله تعالى بقلب خاشع وجوارح لينة يلتجأ بها إلى ربه فيتجدد لديه الإيمان والإسلام، ويقوى فيه العزم والإرادة فيسعى إلى الخير والصلاح ويبتعد عن الشر والفساد، وهذه اللحظات تشهد أنك ما تزال تحت ثقل اختبار قاس، ليس بمقدورك أن تهرب منه إلى الظل البعيد ولا أن تقبع في حجرة نائية تعيش وحدك ، لأنّك لا تقدر في هذه الساعة أن تعيش لنفسك فترصد من الهواء المتحرك عطرا زكيا تستنشقه وحدك، وتمنع غيرك من الاقتراب منه فلولا المشقة يا صاحبي، ليس بإمكانك أن تحرك الأشياء فتجعلها تمر أمام ناظريك كما تلذ لها عيناك، أو أن تجعل الأصوات تتشكل في نغمة دافئة تذوب في الحزن فيخفق لها السمع، فلا يدخل فيه ما يزيدك حزنا إني أراك في صراعٍ مع دقات الزمن، الذي يسير على هذه الشاكلة من الشدة والضيق، فلا يبعث في نفسك ضوءا خافتا تشعر من خلاله ببقايا حياة لأناس يتحركون، فإن هدي الدين الحنيف في تشريعاته السامية وإيجابية عباداته وطهارة قيمه وسمو آدابه يطهر نفس المؤمن وينطلق به إلى ما فيه سعادة الدارين فيأخذ بيده ويرتقي به، ويهذب من سلوكه ويغير من عاداته، وفق ما يلقاه المسلم في يومه من مواقف دينية أو دنيوية، فمثلك في الناس كثير قد نفذ إليهم الشقاء والعناء بأبشع صوره تراهم في مكان يسافرون من أرض إلى أرض ومن بحر إلى بحر، فلا يرون ما سعت إليه أقدامهم ولا ما طمحت إليه نفوسهم أو هربت إليه أفكارهم. إنها حقا لمأساة مؤلمة ترتفع ألسنة لهبها في صميم المتعلمين، سواء الذي لا يزال ملتحقا بجامعته أو معهده، أم ذاك الذي خرج إلى الواقع فوقف على محطة الانتظار الطويل في سوق العمل إنها عقدة طريق المتعلمين أنهم يعيشون في واقع بعيد عن العلم والمنطق وهم يرون بأعينهم كيف تطوى قدراتهم ومواهبهم وكفاءاتهم أمام المسؤول، فيبعدها جانبا، ويضع مكانها مصلحته الخاصة، إن المتعلمين الذين خرجوا من أنياب تعب الدراسة إلى معصرة سوق العمل، وطمحوا أن تتهذب نفوسهم بالآداب وتغوص عقولهم في المعرفة والخبرات، ليسوقوا الخير والصلاح للأمة وكي يصنعوا في غيرهم ما خلق الله فيهم من المحبة للخير والعطاء لأن المجتمع يقاس بقدر حظه من المعرفة والثقافة والمتعلمون هم عقول المعرفة وغواصو الثقافة وصناع الحضارات في كل المجتمعات المتحضرة، يحكم العلم العالم بحكمه المميز ذاك الذي جعلها في مسافة الارتفاع فسادوا به العالم وخضعت لهم الرقاب وجعلنا خلفها أتباع خيال الارتفاع، وصلوا القمر ونكشوا تربته وحدقوا في النجوم، كما نحدق في صحن الطعام وما يزال الواحد منا يتثاقل من بناء بيت صغير لابنه أو لنفسه على الأرض، ولا يصل لأدنى حلم إلا بشق الأنفس وألم السنين، فربما ثقل على النفوس فظاعة الحقيقة أكثر من أن يحرك شعرة في رأس مسؤول أو سامع عابر، إنها البساطة في التفكير حين تعتقد أن الألم الذي يصيب غيرك بسيط لأنه أخطأ الطريق إليك، فكأنه عثرة خاصة، إن العمل للوصول إلى العزة والرفعة لن يكون طريقه الخطأ والفساد والفوضى، ولن يمر على جراح أرباب العلم ومحبيه، ولا من تعذيب العقول التي شع نورها وزاد توهجا بالإيمان والفضيلة والعطاء لن يكون إلا بعمل الصواب والبدء بانعكاس مشاعر الانتماء لهذا الدين الحنيف على الجوارح، سيعيش المتعلمون زمنا صعبا بعضهم سيترك سلاحه المقدس ويلتحق بركب المنافقين ليجد له مكانا في سوق العمل، وعندئذ لن يجد نفس المتعلم الذي بداخله منذ بدأ وبعضهم سيعض على الجمر ، فثق بعزمك ووعد الله وابق على حب حاملي هذه الراية، فالطريق صعب لأن طريق المتعلمين طويل جدا وشاق وملتوٍ وصعب، لكنه يجعلك تتنسم لذة الكفاح وأنت موقن بالنصر فما أروعها من فرصة للمسلم كي يغيِر من نفسه ويرتقي بها فالذي يلبي نداء الله عز وجل مستشعرا عظمة الخالق سبحانه وتعالى ، يعلم حق العلم أنه ما خلق في هذه الحياة إلا للعبادة والعمل لذا فهو يشعر بلذة المناجاة عندما يتضرع إلى ربه يقوى فيه العزم والإرادة، وينشط فيه الحرص على الطاعة والعمل الصالح.