11 سبتمبر 2025

تسجيل

العودة إلى المربع الأول

19 مايو 2014

لايبدو المشهد الفلسطيني قد تغير كثيرا عن حالته بعد وقوع النكبة المشئومة في عام 1948 والتي أسفرت عن قيام الكيان الصهيوني المسمى دولة إسرائيل ووقوع الشعب الفلسطيني في دائرة الإقصاء والتهميش واغتصاب حقوقه التاريخية والتي تحولت إلى مزايا للكيان الذي سعى بكل قوة على مدى 66 عاما إلى تغييب وطمس الهوية الحضارية العربية الإسلامية لهذا الشعب عبر ممارسات ما زالت مستمرة حتى اللحظة مركزة بصورة أساسية على القدس ومسجدها الأقصى بحسبانها العلامة الأبرز على هذه الهوية.لقد صنعت النكبة للشعب الفلسطيني حالة غير مسبوقة من الظلم التاريخي وللأسف ما زال الغرب بحلفائه ونفوذه، متواطئاً مع الكيان الصهيوني، بل وراعيا لمشروعه التوسعي الاستيطاني الاستعماري ولعدوانيته بما ارتكبه، ولا يزال، من تطهير عرقي مخطَّط وجرائم حرب موصوفة داخل حدود فلسطين وخارجها، ولنظامه السياسي العنصري المؤسس على خرافة "وعد إلهي"، استعمِل غطاء لتنفيذ "وعد بلفور"، كجزء من مشروع استعماري مكتمل الأركان في فلسطين والوطن العربي، ولشذوذه كـ"دولة" أنشأت شعباً بعد اختراعه، وأنشأها جيش، وما زالت ترفض تحديد حدودها، وتصر على البقاء "قلعة" تأسست على أسطورة تميز العرق وقوة "الجيش الذي لا يقهر. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد وإنما يتمادى قادة هذا الكيان – دون خجل – في مطالبة الفلسطينيين بالذات بالاعتراف به "دولة قومية للشعب اليهودي" المخترع، وذلك هدف ثابت لأجنحة الحركة الصهيونية كافة وهو ما تجلى في دعوة حكومة بنيامين نيتانياهو الشديدة التطرف لبرلمانه المسمى الكنيست وفي تحدٍ سافر للعالم لإقرار مشروع قانون أساسي "يعيد الاعتبار للقيم الصهيونية"، ويحصن"إسرائيل" كـ"دولة لشعب واحد هو الشعب اليهودي" المطلوب صيانة "صلته التاريخية بأرضه"، وحماية "حقه في الهجرة إليها" وهو ما يكشف بوضوح سافر الأهداف السياسية والتي تتركز أساسا في ممارسة نوع من التطهير العرقي لسكان الكيان من فلسطينيي 48 19البالغة نسبتهم 21% من سكانها، حسب أحدث إحصاء رسمي إسرائيلي.ولاشك أن الشهور العشرة الأخيرة جسدت حقيقة لم يعد بالإمكان القفز عليها وتتمثل في أن حكومة نيتانياهو التي تهيمن عليها نخب أفرزتها حركة الاستيطان نجحت في أن تعيد الصراع إلى مربعه الأول قبل 66 عاما فهي لم تعد معنية بالبحث عن "حل تاريخي"، ولا حتى عن "حل وسط"، من شأنه تجميد الصراع، وتغيير أشكاله، لوقت يطول أو يقصر، بل إن كل ما تسعى إليه هو استمرار التفاوض العبثي كغطاء لابتلاع الأرض الفلسطينية، وتفريغها من شعبها، بل وتصعيد التنكيل به، واستباحته، أيضاً. فبعد الاعتراف الرسمي الفلسطيني بـ"إسرائيل" ارتباطاً بتعاقد "أوسلو"، وبعد اعتبار (عودة اللاجئين مسألة سيادية "إسرائيلية") في "وثيقة جنيف" التي خفضت سقف موافقة مبادرة "السلام العربية" الملتبسة على صيغة إيجاد: "حل عادل ومتفق عليه لقضية اللاجئين وفقاً للقرار الدولي 194"، ما انفكت الإدارة الأمريكية تمارس ضغوطاً متنوعة للاعتراف بـ"إسرائيل" "دولة يهودية" الذي يفتح باب التطهير العرقي لمليون ونصف المليون فلسطيني داخل أراضي 48، والشطب النهائي لحق عودة اللاجئين إلى ديارهم الأصلية، واستقطاع أجزاء من مساحة الضفة، وإبقاء القدس "عاصمة "إسرائيل" الأبدية".وفي الوقت نفسه فإن المشروع الاستيطاني للكيان الصهيوني آخذ في التمدد والانتشار على نحو يكاد لا يترك فسحة أمام إمكانية قيام الدولة الفلسطينية وهو جعل العالم عاجزاً عن إجبار قادة الكيان الصهيوني على قبول تسوية سياسية، ولو متوازنة، للقضية الفلسطينية، أكثر قضايا العالم عدالة، بل، والحائزة على أكبر عدد من مشاريع التسوية المقترحة، بدءاً برؤية "إيرل بيرل" رئيس اللجنة الملكية البريطانية عام 1937، القاضية بتقسيم فلسطين إلى قسمين: تقام في الأول "دولة يهودية"، ويُضم الثاني لإمارة شرق الأردن، وصولاً إلى رؤية الرئيس الأمريكي أوباما عام 2011 القاضية بإقامة دولة فلسطينية عزلاء مقطعة الأوصال منزوعة السلاح والاستقلال والسيادة على 22% من أرض فلسطين، مقابل اعتراف العرب ومنهم الفلسطينيون بـ"دولة يهودية" على الباقي منها، بينما هبط سقف هذه الرؤية على يد وزير الخارجية الأمريكي، كيري، عام 2013، حيث أيد، (فيما أيد من مطالب حكومة نتنياهو التعجيزية)، مطلب بقاء الجيش "الإسرائيلي" في منطقة الأغوار الفلسطينية، (30%من مساحة الضفة).وفي هذا السياق فإن ثمة من يطرح ردا على هذا التمادي الصهيوني ضرورة مغادرة المسار التفاوضي برعاية الولايات المتحدة والذي رعاه وزير خارجيتها جون كيري على مدى الأشهر التسعة السابقة – وكان في جولاته إلى المنطقة ينسق مع حكومة الكيان قبل كل لقاء مع المفاوض الفلسطيني، حاله في ذلك حال كيسنجر الذي أشار في مذكراته إلى أنه كان ينسق مع مناحم بيغن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق قبل كل لقاء له مع السادات في سبعينيات القرن الفائت.وهو ما يستدعي، بعد أكثر من عقدين من المفاوضات العبثية تحت الرعاية الأمريكية ضرورة نقل ملف الصراع إلى هيئة الأمم المتحدة والمطالبة بعقد مؤتمر دولي، يلزم قادة الكيان بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، والكف عن التفاوض عليها. فمن شأن ذلك أن يساهم في تعديل ميزان القوى لمصلحة القضية الفلسطينية، ولمصلحة إعادتها إلى صدارة اهتمام العالم، خاصة مع التغيرات الدولية الجارية التي تؤسس - بوضوح لا لبس فيه - لولادة عالم متعدد الأقطاب، ينهي حقبة عربدة الولايات المتحدة كزعيم عالمي أوحد، يأمر فيطاع، ويتحكم بالسياسة الدولية ومؤسساتها وقراراتها وقضاياها، وأولاها القضية الفلسطينية، انسجاماً مع التحالف الاستراتيجي الأمريكي- الإسرائيلي.ويتسق هذا الطرح بدرجة مع الرؤية التي يتبناها الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية والتي تقوم على ضرورة تجاوز مرحلة إدارة النزاع التي كانت سائدة خلال العقدين الماضيين إلى مرحلة إنهائه مما يعني بالضرورة الابتعاد عن الآليات السابقة وفي مقدمتها صيغة اللجنة الرباعية الدولية التي تضم كلا من الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية والاتحاد الأوربي والأمم المتحدة والتي فشلت في تحقيق أي تحول نوعي في مسار الصراع ورغم تأييده لصيغة المفاوضات الثنائية في بدايتها وحتى نهايتها في التاسع والعشرين من أبريل المنصرم فإن العربي منحاز لفكرة عقد مؤتمر دولي للتعاطي مع الصراع العربي الإسرائيلي وهو ما أكده في حوار سابق مع كاتب هذه السطور. ولاشك أن مرور 66 عاما على نكبة فلسطين - يوم الخمس الفائت - يحمل في طياته مزيدا من الجروح والآلام. بعد أن صعد الكيان الصهيوني من هجماته على البشر والشجر فهي تأتي والأسرى الفلسطينيون يمارسون منهجية المعدة الخاوية في سجون الاحتلال الذي يرفض منحهم أبسط الحقوق التي نصت عليها المواثيق الدولية التي تضمن لكل شعب يخضع للاحتلال حق المقاومة وحق المعاملة الإنسانية في حالة الوقوع في الأسر ومن ثم فإن التصعيد الصهيوني المتزايد في هذه الأيام على الأرض والإنسان والمقدسات الإسلامية والمسيحية ومحاولات التهويد المتكررة لكل ما هو موجود فوق الأرض الفلسطينية ظنا منه أنه قادر على تغيير حقائق التاريخ التي مازالت شاخصة في كل ربوع فلسطين من إنسان وشواهد على هذا التجذر الذي مثله البقاء والتشبث من قبل الإنسان الفلسطيني الذي مازال شاهدا على كذب ادعاء الصهاينة في مقولتهم ونظريتهم (أرض بلا شعب. لشعب بلا أرض).