19 سبتمبر 2025

تسجيل

الالتزامات العربية والتنمية

19 مايو 2013

تتمتع البلدان العربية بثروات طبيعية هائلة لم يستغل الكثير منها حتى الآن، حيث يعود ذلك إلى العديد من المعوقات، بما فيها نقص الاستثمارات وتردد المستثمرين الأجانب بسبب ضعف الضمانات وتخلف البنى التشريعية والقانونية وعدم الاستقرار. وتستند مخاوف المستثمرين الأجانب إلى تجارب مؤلمة بالنسبة لهم، إذ تمثلت معاناتهم في بعض البلدان العربية في صورة خسائر كبيرة نجمت عن المصادرة والبيروقراطية وغياب الشفافية والأنظمة والقوانين والحوكمة، حيث تمثل أزمة شركة "سنتامين" في مصر، وهي شركة مساهمة عامة تعمل في مناجم الذهب ومدرجة في بورصتي لندن وتورنتو، حيث تدير في الوقت الحالي منجما للذهب يعد مثالا حيا على فوضى الاستثمار التي تعاني منها بعض البلدان العربية. والقصة تبدأ مع حصول الشركة على امتياز الإنتاج بمصر في عهد الرئيس السابق مبارك، إلا أن تغير النظام أدى إلى إعادة النظر في هذا الامتياز، وذلك رغم وجود اتفاقية بين الحكومة السابقة وشركة "سنتامين"، حيث رفع الادعاء العام دعوة ضد الشركة التي تتوقع أن تنتج العام الحالي 320 ألف أوقية ذهب وبنسبة زيادة 22% على العام الماضي، وهو ما يفتح المجال أمام تطوير إنتاج الذهب وما قد يتركه من انعكاسات إيجابية على الاقتصاد المصري. لقد أدت اتهامات الادعاء العام إلى تأجيج المضاربات على سهم الشركة والذي انخفض بنسبة كبيرة بلغت 21% في آخر يوم تداول من الأسبوع الماضي و60% منذ بداية الأزمة في شهر نوفمبر من العام الماضي، مما كبد المساهمين خسائر كبيرة وطرح من جديد جدوى الاستثمار في البلدان غير المستقرة، خصوصا وأن الحكومة المصرية الحالية سبق وأن قررت سحب بعض الأراضي الاستثمارية أو إعادة التفاوض بشأنها مع مستثمرين خليجيين. وللأسف هناك أحداث مشابهة في العديد من البلدان العربية، إذ إن الأمر لا يتعلق فقط بالأنظمة والقوانين التي تحفظ حقوق المستثمرين، وإنما أيضا بالالتزام بالتعهدات بغض النظر عن تغير الحكومات، ففي البلدان المتقدمة تتغير الحكومات باستمرار نتيجة للانتخابات الدورية، وربما تختلف السياسات الاقتصادية والمالية للحكومة الجديدة تماما عن سياسات سابقتها، إلا أنها تعلن في أول يوم تستلم فيه السلطة عن التزامها التام بتعهدات الحكومة السابقة، وهو ما يعزز الثقة والاطمئنان لدى المستثمرين المحليين والأجانب، ففي حالة شركة "سنتامين" فإن الشركة لم تتعاقد مع الحكومة السابقة باعتبارها حكومة مبارك – مع أنها كذلك، وإنما باعتبارها حكومة جمهورية مصر العربية من وجهة نظر القانون الدولي، وهو ما يشكل التزاما تجاه أي حكومة مقبلة. وحول هذه القضية أيضا يمكن التذكير بتفكك الاتحاد السوفيتي، حيث أخذت الحكومة الروسية، باعتبارها أكبر جمهورية كامل تعهدات الاتحاد السوفيتي السابق تجاه بلدان العالم، علما بأنه كان بإمكان روسيا التنصل من ذلك لكون الدولة السوفيتية لم تعد قائمة. والحقيقة أن منجم السكري للذهب يشكل جزءا صغيرا من أعمال شركة "سنتامين" حول العالم، إذ إن الضرر الأكبر سوف يلحق بالاقتصاد المصري وبسمعة مصر الاستثمارية والتي هي بحاجة ماسة لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية والحد من هروب رؤوس الأموال المحلية. ويتطلب ذلك من مصر ومن البلدان العربية التي طالتها التغيرات السريعة إعادة النظر في العديد من قراراتها لوقف التدهور في اقتصادياتها وإعادة الثقة من خلال الضمانات والالتزام بالتعهدات، إذ لا يكفي الأمر اللجوء إلى القضاء المسيس في هذه الدول. نعم من حق كافة البلدان إعادة النظر في الاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارية المبرمة، إلا أن ذلك يتم، إما باتفاق الطرفين أو الأطراف المعنية أو بانتهاء الفترة الزمنية للاتفاق، حيث تمكن إعادة صياغته من جديد أو حتى إلغائه، وفيما عدا ذلك، فإن الاقتصادات العربية ستشهد المزيد من هروب رؤوس الأموال وتدني مستويات الثقة وما ينجم عنهما من فقدان المشاريع التنموية والتي هي بحاجة ماسة لها لتوفير المزيد من فرص العمل وزيادة معدلات النمو.