28 أكتوبر 2025

تسجيل

سرعة الأيام مُخيفة

19 أبريل 2023

بالأمس القريب استقبلنا شهر الصيام، كنا على موعد مع شهر كامل، فلما انفلت من بين أيدينا شعرنا بأنه مضى سريعًا وكأنَّه ساعة من نهار، فمهلًا يا ضيفنا العزيز، فلم نرتوِ بعدُ من بركاتك ونفحاتك التي نتمنَّى دوامها طوال العام، ولكن ها هي الأيام وتلك هي سُنَّة الحياة، فلا شيء يدوم إلا وجه ربك ذي الجلال والإكرام. ونلاحظ جميعًا سرعة مخيفة في مرور الأيام في عصرنا الحالي، ما يجعلنا نستذكر بعض الأمور وكأنها من شهر أو اثنين فنُفاجَأ بأن العام قد انتهى وحلَّ عام جديد، فنتعجب من المرور السريع لسنوات العمر فنرى السنة تمر كالشهر، والشهر كالأسبوع، والأسبوع كاليوم، واليوم كالساعة. وقد أوضح الله تعالى لنا مدى سرعتها على الإنسان بقوله تعالى: «قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا ۖ لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ» (المؤمنون: 112 - 114). وكلنا نعلم أن المسلم يوم القيامة أول ما يُسأل عنه هو عمره فيمَ ضيَّعه، فقد رُوِي عن النبي - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – أنه قال: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل فيه؟ وعن ماله من أين اكتسبه؟ وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟» (رواه الترمذيُّ وصححه الألبانيُّ). فلا بُدَّ من أن نأخذ من سرعة مرور الأيام عظة وعبرة ونقدِّر قيمة الوقت في حياتنا؛ لأن الوقت باختصار ما هو إلا أعمارنا، فإذا مضى الوقت نقص العمر، فلا بُدَّ من اغتنام الأوقات في طاعة مولاك كما قال الحسن البصري: «يا ابن آدم، إنما أنت أيام، فإذا ذهب يومٌ ذهب بعضك، ويوشك إذا ذهب بعضك أن يذهب كلك». وقال أيضًا: «أدركتُ أقوامًا كانوا على أوقاتهم أشدَّ منكم حرصًا على دراهمكم ودنانيركم». رُوِي أن الفضيل بن عياض قال لرجل: كم عمرك؟ فقال الرجل: ستون سنة. قال الفضيل: إذًا أنت منذ ستين سنة تسير إلى الله تُوشِكُ أن تَصِل. فقال الرجل: إنَّا للهِ وإنَّا إليه راجعون. فقال الفضيل: يا أخي، هل عرفتَ معناه؟ قال الرجل: نعم، عرفتُ أني لله عبد، وأني إليه راجع. فقال الفضيل: يا أخي، مَن عرف أنه لله عبد وأنه إليه راجع، عرف أنه موقوف بين يديه، ومَن عرف أنه موقوف عرف أنه مسؤول، ومَن عرف أنه مسؤول فليُعدَّ للسؤال جوابًا. فبكى الرجل، فقال: يا فضيل، وما الحيلة؟ قال الفضيل: يسيرة. قال الرجل: وما هي يرحمك الله؟ قال الفضيل: أن تتقي الله فيما بقي، يَغفِر الله لك ما قد مضى وما قد بقي. أحبتي.. ما زالت الفرص أمامنا ومواسم الطاعات لا تنتهي، فمن تكاسل في رمضان أو قصَّر فليحسن الظن بربه ويعُد إليه مسرعًا، فالأوقات تمضي كالريح لا تنتظر أحدًا، فسارع بالعمل الصالح والمداومة على الطاعة تجد أثر عبادتك في كل أيامك وتعِش مطمئنًّا لا تخشى الموت ولا الحساب؛ لأنك أعددت لكل سؤال جوابًا.