16 سبتمبر 2025

تسجيل

الأمل والألم في الصحة والسياسة الدولية !

19 أبريل 2021

جلس صاحبنا أمام شاشة قناته المفضلة أملا في أن ينسى قليلا أن الفيروس اللعين ما يزال يهدد حياتنا وينقلب أو يمسخ سلالات تحمل أسماء دول بعيدة مثل جنوب أفريقيا وبريطانيا والبرازيل، واختار أن يملأ قلبه بالأمل في أن تنجلي الغمة عن الأمة ويفرح عندما تذيع التلفزيونات إحصاءات الناس الذين تعافوا وشفاهم الله فيبتسم من القلب رغم فداحة اللحظة، كما تأتيه أخبار بأن هذا اللقاح أو ذاك تبين أن له بعض المضاعفات السلبية من جلطات دموية يسميها الطب (ترمبوز) ولا تعكر صفو نفسه العابر إلا احصاءات موتى الأربع والعشرين ساعة الأخيرة في كل البلدان ضحية الكورونا ترافقها إعلانات مخيفة عن تفاقم الأزمة الصحية وتناقص ملحوظ في أجهزة الأوكسجين وغرف الانعاش والعناية المركزة في بعض البلدان التي لم تكن حازمة بما يكفي لمواجهة الخطر الفيروسي الداهم! ثم يشعر بنوع من الارتياح حين يذيع المذيع تهديد السلطات للخارجين على القانون المتهمين بعدم احترام البروتوكولات الصحية وعدم لبس الكمامة أو ارتكاب التجمعات الممنوعة دون حذر بعدد أكبر من المسموح به. فيتحسس المسكين وجهه باحثا عن الكمامة ثم يضحك حين يتذكر أنه في مجلس بيته وليس في مكان عام وأنه تلقى الجرعتين وأن أم عياله تلقت الجرعة الأولى وأن أولاده ملازمون البيت يدرسون عن بُعد فيحمد الله على نعمائه ويدعوه أن يجنبه سوء العاقبة! وهو يعلم أن لديه أقارب وأصهارا قضت عليهم الكورونا فيبسمل ويحوقل ويدعو لهم بالرحمة. قلما يحاول المواطن المسكين نسيان الواقع الصحي ويحمد الله على نعمة كتبها الله له بالعيش ولقمة العيش في مجتمع لديه أولويات منطقية وسياسة حكيمة، لأن سلطات البلاد التي يقيم فيها منذ ثلث قرن وجهت العناية القصوى لمقاومة الجائحة بإعلان الحجر وسن ردع المخالفات وتوفير اللقاحات المأمونة... وعندما يركز تفكيره على ما يجري في العالم يفرح بأنباء يعلنها المذيع ببشاشة تزف له خبر تأييد مجلس الأمن لليبيا وحكومتها الوطنية الجديدة ودعم العالم لمبدأ مغادرة المرتزقة للتراب الليبي، كما يفرح المسكين ببصيص الأمل القادم من عاصمة النمسا والمتعلق بقرب انفراج أخطر أزمة بين إيران والغرب زائد روسيا، حينما يسمع عباس عرقجي يبشر بأن مفاوضات (فيانا) قربت وجهات النظر وأن عودة كل الأطراف الموقعة على اتفاق 2015 ستعود له وأن إيران لا تطلب غير السلام. لكنه إذ يكاد يطمئن ويخلد إلى راحة البال والضمير فإذا بالمذيع تكفهر ملامح وجهه فجأة وتبدأ سيول الصور المرعبة تتعاقب على الشاشة بما يشبه التهديد الموجه له بالذات قادمة من وكالات الأنباء عن اشتباكات بحرية في حرب إلكترونية خفية بين إسرائيل وإيران في البحر الأسود، كما تأتيه أنباء حرب اليمن ويسمع أو يكاد يسمع قعقعة السلاح على الحدود بين أوكرانيا وروسيا وهذه أخطر البؤر المهددة باندلاع حرب بين موسكو وقوات حلف الناتو. بعد أن تجنب العالم اشتعال نار في القرم منذ أعوام قليلة عندما شكر الناس رب العالمين على انتهاء الحرب الباردة بانتصار الغرب وقيمه الليبرالية منذ نوفمبر 1989 الذي شهد تحطيم جدار برلين وتوحيد ألمانيا وتوقيع اتفاق (سالت 1) بين العملاقين للحد من ترسانتهما النووية ومنع انتشار الأسلحة الذرية في العالم. لكن المذيع يسرد على مسامع المواطن المسكين سلسلة المعضلات الدبلوماسية بين واشنطن وموسكو مع قافلة طرد الدبلوماسيين وتبادل العقوبات بينهما وتتابع التصريحات التصاعدية في الحدة بين بايدن وبوتين وبين بلينكن ولافروف وبين الناطقين الرسميين في كلتا الدولتين لكن صاحبنا يظل متفائلا لاعتقاده بأن هذه التلاسنات لن تبلغ درجة الحرب بين العملاقين وهو الذي عاش في شبابه أزمة كوبا والصواريخ السوفييتية الموجهة من الجزيرة الشيوعية إلى سواحل أمريكا في نوفمبر 1961 وكيف تعقل الرئيسان خروتشيف وجون كيندي فمرت الأزمة على خير! وأعلن المذيع في نفس السياق عن استقالة الرئيس الكوبي (راوول كاسترو) بعد ستين عاما من حكمه وحكم شقيقه (فيدال)، كما انقبض قلبه حين استخلص من الأخبار أن اجتماع كينساشا بين أثيوبيا ومصر والسودان فشل بل وأصرت دولة منبع النيل (أثيوبيا) على عزمها ملء سد النهضة في يوليو القادم وعدم مراعاة حقوق دولة عبور النيل (السودان) ودولة مصب النيل (مصر) مما ربما ستندلع بسببه أكبر حرب للمياه في العصر الحديث. بدأ صاحبنا يشعر بثقل جفنيه فأمر عياله أن يلتحقوا بغرفتهم للنوم وطلب من أم العيال بلطف أن تسوي له قهوة تركي حتى يطرد النوم خوفا من أن يحلم بكوابيس العالم وأن تضغط على الريموت للبحث عن قناة (طرب زمان) ليسمع أم كلثوم ككل ليلة بالأبيض والأسود... ففرح عندما وجد كوكب الشرق تغني أغنيته المفضلة (جددت حبك ليه بعد الفؤاد ما ارتاح... حرام عليك خليه.. غافل عن اللي راح). [email protected]