14 سبتمبر 2025

تسجيل

عاصفة حزم اقتصادية للأردن

19 أبريل 2015

يتحمل الأردن عبئا يزيد كثيرا عن طاقته وقدراته وإمكاناته، فحسب آخر إحصاءات متوفرة يسكن الأردن 10.5 مليون إنسان منهم 7 ملايين أردني، وهذا يعني أن عدد غير الأردنيين في المملكة يصل إلى 4.5 مليون شخص، منهم حوالي 1.5 مليون سوري، ومليون عراقي و1.1 مليون مصري و80 ألف لبناني والباقون ينتمون إلى جنسيات أخرى، وانضم إلى القائمة مؤخرا ليبيون ويمنيون وسودانيون.لم يكن الشعب الأردني يوما إلا مرحبا بكل إخوته من المحيط إلى الخليج، وتؤكد الدراسات المسحية أن الأردنيين يتصدرون قائمة الشعوب العربية التي تتبنى العروبة والإسلام، عمليا لا نظريا، ولم يكن الأردن يوما إلا ملاذا أمنيا للباحثين عن الأمن والاستقرار ولقمة العيش رغم شح الموارد وقلة ذات اليد.هذا الكرم الأردني وهذه الحفاوة بإخوته اللاجئين إليه هربا من الموت الزؤام لم يقابله كرم عربي يليق به، وترك الأردن وحيدا لكي يتحمل المسؤوليات والأعباء عن ملايين اللاجئين في الماضي والحاضر، بدءا من الشركس والشيشان الذي فروا من آلة الموت الروسية والفلسطينيين الذين سلب اليهود ديارهم مرورا بالعراقيين وانتهاء بالسوريين.لا غضاضة من القول إن 90 في المائة من الأردن صحراء وأن الأرض الصالحة للزراعة تشكل نحو 8% من مساحته يزرع نصفها بسبب شح المياه، إذ يعتبر الأردن واحدا من أفقر 10 دول في العالم من حيث الموارد المائية، ورغم ذلك تمكن الأردن من تأسيس بنية تحتية رائعة، فالكهرباء في الأردن لا تقطع رغم عدم امتلاكه للنفط والغاز، والمياه يتم توزيعها على الأحياء السكنية حسب المتوفر، وتغطي شبكة الكهرباء والماء 99% من المملكة، والصرف الصحي يخدم كل المدن تقريبا، وسجل الأردن أدنى معدل للأمية في العالم العربي وأكبر عدد من الدارسين في الجامعات نسبة لعدد السكان، ويمتلك واحدا من أفضل البنية الصحية والطبية في العالم، والصادرات الدوائية الأردنية تسجل اختراقات جيدة في الأسواق الأوروبية والأمريكية التي تعتبر الأعقد والأعلى من حيث المعايير، وهي منجزات لابد من ذكرها.لكن كل هذه المنجزات التي بناها الأردن خلال 70 عاما توشك أن تتبخر بفعل الضغط السكاني غير الطبيعي، فمن غير الممكن لبلد شحيح الموارد أن يحافظ على استمرار بنيته التحتية عندما يرتفع عدد السكان بنسبة 40% خلال سنوات قليلة بسبب الهجرات غير الطبيعية، لأن هذه الهجرات تؤثر على المدارس والمستشفيات والطرق وموارد المياه والزراعة والخدمات الأخرى، ويزيد الطين بلة أن هؤلاء المهاجرين إلى الأردن "فقراء ومعدمون" وبالتالي لا يستطيعون دفع ثمن الخدمات التي يحتاجونها، مما يؤدي إلى تحمل الأردن هذه الأعباء الإضافية غير المتناسبة إطلاقا مع إمكاناته موارده.لقد ارتفعت المديونية الأردنية إلى أكثر من 29 مليار دولار، وهو رقم كبير جدا على بلد بحجم الأردن، ويعاني 25% من الأردنيين من البطالة، ويرزح 40% من الأردنيين تحت خط الفقر، ويدرس في الصف الواحد حاليا أكثر من 50 طالبا، ولا يتقاضى المعلمون رواتب تكافئ جهودهم وتعبهم في بناء الأجيال، وتعاني المدن من الازدحام الشديد بسبب كثرة الوافدين، ومع كل هذه الحقائق فإن الدول العربية لم تلتفت إلى الأردن لتحمل الأعباء معه، ومساعدته على حفظ منظومة الخدمات القائمة من الانهيار، وبدل تداعي الدول العربية على وضع خطة شاملة للنهوض في الأردن اقتصاديا، اعتمدوا سياسة المساعدات المتقطعة وإغاثات الجمعيات الخيرية، وهي سياسة لا تساعد الأردن بل تزيد من أعبائه.الأردن قدم ويقدم لإخوانه العرب دون أن يطلب ودون أن يقدم فواتير ودون أن يغلق حدوده أمام الهاربين من جحيم الحرب، ويتحمل ذلك على حساب الأمن الاقتصادي والمعيشي لأبنائه، وعلى حساب أمنه واستقراره.مطلوب من العرب "عاصفة حزم اقتصادية" من أجل الأردن، الذي وصل إلى أقصى طاقته في تقديم العون للآخرين، وبات يحتاج إلى عون لتمكينه من الاستمرار.