12 سبتمبر 2025
تسجيلنظرية الاقتراب غير المباشر نشرها الاستراتيجي البريطاني بازل ليدل هارت في عام 1929 والتقطها الألمان ووظفوها في انتصاراتهم اللاحقة في حروبهم في أوروبا وشمال إفريقيا في الحرب العالمية الثانية، النظرية تعني بالحرب والاستراتيجية ومع ذلك لا أجد حرجا في تكييفها واستخدامها في مختلف أشكال الصراع الأخرى، النظرية تنصرف إلى حشد أعظم الجهد القتالي نحو أضعف نقاط العدو من خلال المناورة بالقوات نحو هدف هو حقيقة غير مطلوب لذاته وإنما لتحقيق هدف نهائي هو أخطر وأكبر في الصفحات اللاحقة، حيث تتوجه إليه الجهود حال الحصول على الهدف الأول، والغرض تحقيق المباغتة (المفاجأة) وبالتالي تحقيق النصر بسرعة وبأقل الخسائر....محاور هامة من هذه النظرية يمكن أن تنطبق على عاصفة الحزم.ولو اتجهنا إلى الجزيرة العربية وتحديدا صوب العمليات العسكرية لعاصفة الحزم نجد أن الهدف المعلن هو التصدي لمليشيات الحوثي بعد أن تجاوزت خطوطا حمراء من أجل ترشيدها باستخدام العصا الغليظة وليس تدميرها أوالقضاء عليها....لكن الاهتمام لاينصب على الحوثيين فحسب والملف أوسع من ذلك ويعني باستقرار اليمن بل ويتجاوزه، من جانب آخر لو لم تشكل التطورات الأخيرة تهديدا حقيقيا لأمن الخليج العربي ماانطلقت عاصفة الحزم، بكلمة أخرى فإن أمن الخليج العربي هو الهدف النهائي لعاصفة الحزم....وهكذا أمامنا على الطاولة عدد من الأهداف لن تتحقق إلا من خلال التصدي ابتداءً للحوثي عبر عاصفة الحزم وبعد التمكين منه يجري الانتقال إلى أهداف أعم وأكبر. ولهذا من المستبعد أن يستقر غبار المعركة وتضع الحرب أوزارها ويعلن عن انتهاء العمليات التي انطلقت تحت لافتة عاصفة الحزم لمجرد أن ترضخ ميليشيات الحوثي وتعود إلى رشدها المفقود، بل من المتوقع ومن المفضل أن يقود الانتهاء من صفحة التصدي للحوثي إلى تصعيد وتيرة التحرك لتشمل أهدافا أكبر على التراب اليمني أو ربما في مسارح عمليات أخرى هي الأكثر خطورة وأهمية من مسرح عمليات اليمن...وفي هذا الصدد، لا تفسير لديَّ حول جدوى انتشار المليشيات الشيعية الموالية لإيران (عصائب أهل الحق بقيادة الخزعلي) وميليشيات حزب الله مؤخرا على الحدود الجنوبية للعراق وهي تهدد وتتوعد...إلا كونه استفزازا وتنبيها لصانع القرار السعودي أن التهديد لايقتصر على ميليشيات في الجنوب فحسب بل وإلى تهديد ميليشيات في الشمال أيضا !! ليتحسب لذلك في إطار عاصفة الحزم ! هذه قراءتي الشخصية رغم أن التطورات الفعلية على الأرض ستبقى مرهونة بنوايا وخطط التحالف العربي وعلى وجه الخصوص المملكة العربية السعودية.الأهداف (المعلنة) لحملة عاصفة الحزم لاتتعدى الشأن اليمني بل هي تنصرف حتى لجزئية منه وتعنى باستعادة الشرعية وفرض الأمن والنظام بتطويع مليشيات الحوثي وإجبارهم على العودة إلى جادة الصواب، وإطلاق سراح الدولة اليمنية بعد أن اختطفوها بانقلابهم المشؤوم. لكن الهدف غير المعلن رغم أنه مترابط مع الهدف المعلن لايمكن تحقيقه دون تحقيق الثاني وهو أمن السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، حيث القلق من تداعيات وانعكاسات انقلاب الحوثي على الشأن الداخلي الخليجي، وهكذا بينما توجه الضربات للحوثي فإن عين القيادة لاتغادر الأمن القومي الخليجي، ولهذا فالانتصار على الحوثي ليس مطلوبا لذاته وإنما لهدف أكبر، تقترب منه العمليات وإن بشكل غير مباشر، إذ لاقيمة لهذه العمليات متى انحصرت بالملف الحوثي وتجاهلت تحقيق أهدافها النهائية في تحقيق الأمن والاستقرار ليس في اليمن فحسب وإنما لعموم دول الخليج العربي.نعم ميليشيات الحوثي تشكل خطرا على أمن اليمن لكن مع دعم وتحريض إيران وتحولها إلى أداة لتصدير الفوضى للمنطقة والتي تنشط فيها إيران منذ بواكير ثورة 1979 فإن هذه المليشيات تتوسع في خطرها من الوطني إلى الإقليمي وهو السبب الذي دفع للتحرك عسكريا من أجل التصدي لها وحرمانها القدرة على المناورة عبر الحدود بعد أن تمكنت من الداخل اليمني... إذن الهدف النهائي والمركزي غير المعلن والذي يفترض أن تسعى الحملة إلى تحقيقه بشكل غير مباشر هو حماية الأمن القومي من تهديدات إيران وهي لذلك - أي الحملة - لا يفترض بها أن تتوقف لمجرد إعادة ترتيب الأوضاع في اليمن وعودة الوعي للحوثي ذلك أن مصادر التهديد لم تعد قاصرة على اليمن بعد أن أشعلت إيران بتدخلاتها حرائق في عموم المنطقة وقبل اليمن كانت سوريا والعراق ولبنان، والتصريحات الصادرة من شخصيات قريبة لدائرة صنع القرار السياسي في إيران تتوالى ودون حرج حول تمدد إيران في المنطقة العربية وسقوط عواصم وأحياء الامبراطورية الساسانية وتسمية عاصمتها بغداد. لهذا سيكون من المستغرب توقف العمليات في اللحظة التي يستسلم فيها الحوثي دون قيد أو شرط بينما مليشيات طائفية رديفة تنتشر على الحدود تشكل ذات الخطر الذي تشكله مليشيات الحوثي آخذين بعين الاعتبار أن جميع هذه المليشيات رغم تفاوت الأسماء والعناوين ماهي إلا أدوات للنفوذ الإيراني. هذه المليشيات وظيفتها ليس تصدير الفوضى ؛وقد تحقق باستخدام القوة الإيرانية الناعمة على مدى السنوات التي أعقبت غزو العراق عام 2003 ؛ بل مهمتها أي المليشيات تكريس آثار تصدير الفوضى والتمكين للمشروع الإيراني التوسعي بإلغاء الدول العصرية وتحولها إلى دول طوائف لايحكمها دستور أو قانون. وحالها كحال يمن مابعد انقلاب ميليشيات الحوثي فإن أخطارها تتجاوز الوطن للدول الخليجية والعربية المجاورة، إيران تدرك ذلك وهي بالتالي ستسعى إلى حرمان التحالف العربي من أي انتصار وتفادي انهزام الحوثي لأن انهزامه سيفتح شهية العرب لإدامة زخم التعرض نحو مناطق نفوذ أخرى، وهكذا فإن الليالي ربما تكون حبلى بالتطورات، ولكن كيفما ستتطور الأحداث فإن من المؤكد أن السادس والعشرين من مارس / مارس سيبقى علامة فارقة في تاريخ العرب الحديث والعودة إلى ماقبله بكل مافيه من تردد وترقب واستنزاف لا يعني سوى الترخيص لإيران للعودة لمزيد من التمدد والهيمنة، وهذا لم يعد مقبولا.