17 سبتمبر 2025

تسجيل

العمق الأخلاقي لعاصفة الحزم

19 أبريل 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); قبل ظهور الإسلام ، و في مطالع القرن السادس الميلادي، غضب كسرى الفرس على النعمان بن المنذر ملك الحيرة ، فلجأ النعمان وقتها إلى هانئ بن مسعود الشيباني أحد سادات العرب وأبطالهم في الجاهلية ، فاستودعه أهله وماله وسلاحه، ثم عاد النعمان لكسرى، حيث قام كسرى بسجنه وقتله ، ولم يكتف كسرى بذلك بل أرسل إلى هانئ بن مسعود يطلب إليه تسليمه كل ما يخص النعمان ، غير أن الشيباني وفي مشهد تاريخي أخلاقي أبى أن يسلم لكسرى ما استودعه إياه النعمان (و كانت عادة العرب أن تجير المستجير وتحفظ حقوقه وأمواله وأعراضه أيا كانت الظروف) ، ولما بلغ كسرى رفض الشيباني سير إليه الجيوش ليلتقي بعدها العرب والفرس في أحد أهم أيام الجاهلية وهي معركة "ذي قار " التي انكسر فيها الفرس ولأول مرة في تاريخهم على يد العرب.ربما جاء هذا المدخل الرمزي وبعيداً عن الأبعاد السياسية والعسكرية والأيديولوجية التي تتصارع جملتها وتحرك الأحداث في اليمن ، خصوصا أنه من السذاجة أن يتصارع الإنسان فكريا مع المختلفين معه ليردّد إنني علي حق دون أن يستحضر قواعد هذا الحق.ولا شك أن مختلف التيارات المحسوبة على ايران والتي تعارض وتستنكر ما يجري في اليمن وتذرف دموع التماسيح التي ذرفها من قبلهم نصرالله ، على سقوط بعض الضحايا المدنية من اليمنيين تناسوا أنهم هم أنفسهم من لاتزال دماء الشعب السوري تقطر من أنيابهم حتى هذه اللحظات ، بل حتى بعض قيادات إيران الدينية (المقدسة) والتي تخرج علينا تباعاً وهي ترتدي عباءة البراءة وقناع الطيبة ، هي نفسها التي نراها تفتي وتبرر وتسوغ وتدفع كل يوم بمقاتليها وعتادها لبؤر الصراعات في الأراضي العربية ، وآخرها اليمن و ميليشيات صالح والحوثي . ولكن في المعسكر الآخر المؤيد للعاصفة تُبرز لنا الساحة الإعلامية حاليا العديد ممن يتناولون بالتحليل والتبرير عاصفة الحزم وأسبابها وأهمية الوقوف أمام توسعات إيران في الخليج والتي تأتي عبر بوابة اليمن ، لكن هذا الخطاب بذاته لا يشكل أرضية مقبولة ولا أخلاقية لأي فعل عسكري ضد اليمن .هنا ربما يمكن التدخل بالقول ، إن الأبعاد السياسية والعسكرية التي حتمت التدخل الخليجي في اليمن لم تكن منفصلة عن البعد أو المنطلق الأخلاقي أو (الحقوقي) لليمنيين وشعب اليمن - إن تسليط الأضواء و التحليلات والمعالجة الإعلامية لـ(عاصفة الحزم) يلحظ أنه يغيب عنها وبشكل يكاد يكون شبه كامل هذا الغطاء الأخلاقي والمبرر الحقوقي وطبيعة الموقف الإنساني الذي ينطلق منه .والحقيقة أن الخليج قد يلام على أنه ومنذ الأيام ألأولى للثورة اليمنية موقفه سلبي ؛ فلم يقبل ولم يرحب (وهو اليوم يدفع ثمن هذا الموقف) ، وربما كان هدف قادته وقتها وبعد المبادرة الخليجية - التي طلبت من الشعب اليمني أن يضحي بنصف حلمه بالتخلص من صالح ومنظومته مقابل أن يتغير النظام جزئياً ، وأعطى لصالح حصانة ولأبنائه الذين سرقوا اليمن لعقود- أن يضمن أولا لليمنيين حقوقهم وصيانة أعراضهم ودمائهم وتسيير أمور حياتهم المعيشية ريثما تستقر الأوضاع السياسية وتجري من جديد المركب اليمنية لبر الأمان، غير أن الخيانة التي قادها صالح والحوثيون على هذه المبادرة وعلى شعب اليمن حتم في النهاية هذا التدخل من منطلق التزام وبُعدٍ أخلاقي انتصارا للحق ومن دعا له وهو الشعب اليمني.إن الشعب اليمني اليوم والشرعية اليمنية حين تستغيث بدول الخليج فإنه من منطلق (الحق والأخلاق ) يحتم أن يقف الخليج منهم موقفاً حاسما لا يتخذ فقط وفقاً لمصالح السياسة والجغرافيا ؛ فالخليج اليوم هو المتعهد الرئيس لحماية الشعب اليمني وسلامة أراضيه وحقوقه وأعراض أبنائه من انتهاكات صالح والحوثيين.إنني في النهاية لا أنكر حقوق أي شعب فيما يختاره وفيما يقرر به مصيره و يرضاه ، لكني وفي نفس الوقت لا أنكر أيضاً أن حلم اليمنيين بمختلف شرائحهم بات يتلخص في سرعة التخلص من الدكتاتور صالح وزمرته ، بعد كل هذا الخراب والفساد والإجرام ، ، وربما كانت محاولات التوسع ومد النفوذ وبسط السيطرة التي يحلم بها القادة في إيران سبباً آخر ، لكن رغم كل شيء إذا كان هذا لاحقاً اختيار الشعب اليمني بحرية وديمقراطية ودون أية ضغوط فلا أحد يمتلك أن يقف ضد إرادة الشعب . الحق إذن أن نلتزم خطاباً واضحاً حول المبررات الأخلاقية لعاصفة الحزم ونستحضر حقيقة أن نصر العرب في ذي قار لم يكن لأنه موجه ضد الفرس، بل لأنه كان معركة لاستعادة الحق وانتصارا للقيم والأخلاق ، ولحماية أهل النعمان المستحقين للحماية .