17 سبتمبر 2025

تسجيل

سلطة المكاتب ومراكز القوى في مجتمعاتنا الخليجية

12 مايو 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); يتصادم الفيلسوف الألماني ماكس فيبر بشدة مع أطروحات المنهج الماركسي في تصوراتها عن الدولة النموذجية ، حيث يقدم لنا فيبر تصوره للدولة الحديثة وآلية عملها ، فالدولة عنده هي التي تُصنع قراراتها من خلال شكل ونمط وآليه وسلطة معينة هي ما يمكن أن نطلق عليها تجاوزاً "سلطة المكاتب" .حيث يعتبر فيبر أن الدولة الحديثة تُمارس سلطاتها عن طريق آلاف الرجال والنساء الموظفين ، وهم في العادة يعملون من خلف مكاتبهم ، ويقومون بإدارة النظام في الدولة ، ويقررون ما يتعلق بالمجتمع ويطبقون التعليمات والقرارات الإدارية له . والحقيقة أن تصور فيبر هذا أيضاً يرافقه تصور آخر وهو أن " سلطة المكاتب " هذه ونتيجة لطبيعتها التشابكية الواسعة يجب أن تكون سلطة منزوعة المشاعر أو بمعنى آخر لا تخضع لاعتبارات العواطف ولا تسيرها الأهواء والرغبات الفردية ، بل يجب أن تقودها فقط روح النظم والقانون والتنفيذ. ولا شك أن تصور فيبر يعتبر تطبيقا مباشرا لشكل وطبيعة الدولة الحديثة ودور القانون فيها ، كما أن حالة "سلطة المكاتب" يمكن أن نطلق عليه الشخصية الاعتبارية لشكل الدولة الفاعلة المتجاوزة للنزعات الفردية. وقد لاقى هذا التصور الذي طرحة فيبر بشكل أو بآخر طريقاً للتطبيق في بعض المجتمعات الأوربية المتقدمة كألمانيا على سبيل المثال ، والتي رأت أن نموذج ماكس فيبر يمكن تطبيقه بشكل أفضل لتجاوز مراحل نفوذ البرجوازيات والملكيات والطبقية ونفوذها ، وكذلك حلاً ومعالجة واقعية للتغلب على دعوات الماركسيين بأن تقوم الطبقات الكادحة بالقفز لإدارة المجتمع . واليوم وبعد ما يزيد عن قرن وأكثر من أطروحة فيبر نجد أن ما حاول تسويقه من تمجيد لـ "سلطة المكاتب" أو "البيروقراطية" بالمصطلح الحديث أصبح الدليل على رقي الدول وتقدمها.لكن ..... وفي مجتمعاتنا الخليجية والتي حاولت هي الأخرى التسريع نحو الحداثة ، فقامت بحشد وملء كل مؤسساتها وقطاعاتها بالمكاتب للقيام بدورها في إدارة نهضة الدولة ، نجد أننا.....لم نصل لما كان مؤملاً أو مفترضا أن نصل له ............فأين الخلل وما السبب؟إن الإجابة على هذا السؤال تحتاج لإلقاء نظرة سريعة على إحدى الجمل التي ذكرت من قبل في مقدمة المقال وهي أن سلطة المكاتب " يجب أن تكون سلطة منزوعة المشاعر لا تخضع لاعتبارات العواطف ولا تسيرها الأهواء والرغبات الفردية" وهذا أهم سبب للنجاح ....إن غاب فلا حاجة لتطبيق حيث ظل التسلسل التاريخي لمفهوم القوة يدفع بنا نحو النظر لاختراق أطروحة فيبر ومحاولة تفسيرها بالنسبة للوضع الخليجي ، فأصحاب النفوذ في مجتمعاتنا استطاعوا نقض أطروحة فيبر ، و تجاوز كل المكاتب وسلطاتها ، الأمر الذي أبطل الهدف الحقيقي لهذه المنظومة وجعلها بلا فاعلية حقيقية ولا سلطة. وعلية فإن مراجعة الحالة الخليجية ببساطة ستكتشف لنا أن وجود أصحاب النفوذ كان ولا يزال أهم معوقات التطور ، وسبباً رئيسا في تعطل ماكينة التحديث وأن قدرتهم على إلغاء "سلطة المكاتب" وقدرتها على إحداث التحول في المجتمع ، هو منبع الخلل ، حيث يتجاوز أصحاب النفوذ كل المكاتب ليشكلوا " ليس استثناءً جزئياً" بل خروقات وانشقاقات وتصدعات في جسد المجتمع و النظام ، حيث تصبح هذه الخروقات التي صنعها أصحاب النفوذ متكأ وملجأ فيما بعد لكل الراغبين لتجاوز "سلطة المكاتب" في أي وقت وزمن.إن الحقيقة التي نعرفها جميعاً أن كل المجتمعات الخليجية بها مراكز قوى وأصحاب نفوذ ، تستطيع تجاوز الجميع بما فيها القانون وكل الاعتبارات الأخرى التي يخضع لها الأفراد والمواطنون العاديون . وفي الغالب تأتي طبقة أبناء الأسر الحاكمة أو ما يعرف بالمشيخة و الحاشية التي تحيط بالسلطة والمنتفعين وكبار التجار وبعض الشخصيات الإعلامية والدينية والرموز المجتمعية في الدرجة الأولى ، فكل هؤلاء يعملون لاختراق سير وشكل عملية البيروقراطية الصحية ، حيث لا يبقى للمنظومة المجتمعية في النهاية إلا مكاتب ديكورية ، يتوقف المجتمع أمامها للبحث عن طرق لتجاوزها وتخطيها، فتتهالك المنظومة وتصبح هي نفسها صورة وشكلا من أشكال العوائق التي يجب تجاوزها وليس القبول بنتائج وجودها.إن صور النجاح الخليجي لا شك تحققت في الأماكن التي تقلصت فيها طبقات أصحاب النفوذ ، فالدولة الخليجية التي يتضاءل فيها دور أصحاب النفوذ أو تنحصر في أفراد قلائل ربما تحقق نجاحا أكبر من غيرها ، لذا فأصحاب القرار ورؤوس السلطة ، مطالبون اليوم أن يقوموا بإعادة هيكلة لتقليص وتحجيم دور أصحاب النفوذ ، خاصة الحاشية المحيطة وإعطاء دور أكبر "لسلطة المكاتب" لكي يتحقق للدولة والمجتمع نظام أكثر فاعلية وقدرة بل أن سلطة المكاتب لربما تكون ضمانة حقيقية للسلطة والدولة على الاستمرار والتجدد وتحدي الأخطار أو الانهيار.