12 سبتمبر 2025

تسجيل

قبل أن تنطلق قمة بغداد

19 مارس 2012

بغداد من المدن التي تسكن ذاكرتي زرتها مرتين خلال فترة الحصار الدولي في تسعينيات القرن المنصرم وبالرغم من تداعياته التي فرضت سطوتها القاسية على عاصمة الرشيد إلا أنها كانت مسكونة دوما بتوهج أزمنتها القديمة والحديثة تعانقك فور الوصول إليها تصب فيك أشهى ما فيها فتبادلها بعشق لها يتمدد فيك أبداً. وبحول الله سبحانه وتعالى سأعيد كتابة عشقي على صدر بغداد خلال الأسبوع المقبل ,إن طال العمر ,خلال مشاركتي مع المئات من صحفيي العرب والعالم في متابعة وقائع القمة العربية التي ستحتضنها بعد عشرة أيام والتي انتظرها العراقيون طويلا سعيا إلى استعادة دفء الحضن العربي وفق تعبير الدكتور قيس العزاوي الباحث والمفكر العراقي والذي يعمل حاليا مندوبا دائما لبلاده لدى الجامعة العربية مانحا المنصب الكثير من العمق المغزول جعلته واحدا من المندوبين المميزين في القاهرة. ولا أخفي أنني عبرت عن ارتياحي لتأجيل استضافة بغداد للقمة خلال العام المنصرم نتيجة ثورات الربيع العربي التي اشتعلت قبل موعد القمة بأيام قليلة , فلم أكن مؤيدا لفكرة اجتماع قادة العرب وجند الاحتلال الأمريكي قريبون من مقار إقامتهم ومسؤولون عن تأمينهم وحمايتهم بفعل قبضهم على مفاصل العملية الأمنية ولكن هذا العام اختلف الأمر بعد أن انسحب هؤلاء الجند إلا قليلا وبات أمر التأمين والحماية للمشاركين في القمة من نصيب جند العراق. وليس ثمة شك في أن استعادة العراق لعافيته القومية- جنبا إلى جنب عافيته الوطنية - من شأنها أن تصب في تمتين النظام الإقليمي العربي الذي يتعرض لاختلالات عدة سواء من الخارج أو بفعل عوامل داخلية ومن ثم فإن التئام القمة العربية في بلاد الرافدين خاصة بعد غياب طال عامين سيدفع إلى ضخ دماء جديدة في هيكل هذا النظام لتمكنه من إعادة إنتاج حيويته الحضارية خاصة بعد أن تحققت تحولات نوعية على صعيد التخلص من السمة الاستبدادية التي ظلت خلال العقود الأخيرة تهيمن على وحداته وهو ما أسهم- إلى جانب عوامل أخرى- في بروز حالة التردي التي تمددت في أكثر من منحى في الواقع العربي بتجلياته المختلفة. ولاشك أن ذلك يستوجب من القادة العرب بداية الحرص على المشاركة الفاعلة في قمة بغداد وعدم الارتكان إلى أي مبررات للغياب حتى ولو استندت إلى الأبعاد الأمنية وبهذه المناسبة ما زالت تصيبني الدهشة من إصرار البعض من قادتنا على التعالي عن مؤسسة القمة بينما يركضون باتجاه أي لقاء مع مسؤولين من دول الغرب وبالذات إذا كانوا من الولايات المتحدة وليس شرطا أن يكونوا على نفس المستوى وكان على رأس هؤلاء الرئيس المصري السابق حسني مبارك فكثيرا ما غيب نفسه أو غيب عن قمم عربية عديدة وهو ما أسهم بدون شك في تقليص فعالية الدور المركزي للدولة المصرية في محيطها العربي والإقليمي غير أن ثمة نفرا من القادة العرب غير مبارك ما زالوا يتعمدون النهج نفسه. هذا أولا أما ثانيا فإنه من الضروري أن تنزع القمة هذا العام إلى بلورة قضايا وملفات محددة تركز عليها بدلا من حالة السيولة التي تحيط في العادة بجدول أعمالها مما يفقدها القدرة على تحقيق الحسم في معظم القضايا والملفات وهو ما تسبب في خلق حالة من انعدام الثقة في مؤسسة القمة وهو ما يتجلى في تساؤل الشارع عن جدواها وأهميتها ولدي ثقة في أن يتبنى الأمين العام الحالي للجامعة العربية الدكتور نبيل العربي صاحب الخبرة الدبلوماسية والقانونية الطويلة فضلا عن قامته القومية العالية رؤية مغايرة في هذا الاتجاه حتى تخرج قمة بغداد بنتائح واضحة المعالم خاصة بالنسبة للمواطن العربي العادي بحيث يشعر أن قادته يتماسون مع أشواقه الكبرى في العدالة والتنمية والتقدم عبر مشروعات محددة تطال مختلف مناحي حياته اليومية فضلا عن تعميق شعوره بالحرية واحترام حقوقه كإنسان في ظل ثورات عربية غيرت ملامح النظام الإقليمي العربي بقوة. لا أود أن أحمل قمة بغداد بسقف طموحات قد يتجاوز الواقع العربي الراهن بكل ما ينطوي عليه من اختلالات وتحولات وتغييرات كبرى وتحديات إقليمية ما زالت تواجهه من سنوات لكنى أتطلع إلى أن تفضي جملة من القرارات التي تجسد قناعات وإيمان القادة العرب بإمكانيات شعوبهم وهو ما قدمت ثورات تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا أكبر البراهين على حيوية هذه الشعوب ومن ثم فلا ينبغي لهؤلاء القادة أن يراهنوا على صمت مؤقت لألسنة وأفئدة البشر أو على حالة تبلد قد تبدو على السطح وإنما يتعين عليهم أن يتعاملوا معهم بحسبانهم أرقاما مهمة في معادلة الحكم تقوم على ضرورة تقديم كل ما يفضي إلى حالة القبول والرضا العام بأنظمة الحكم متكئين في ذلك على قواعد باتت من ثوابت الفكر السياسي الراهن وأهمها التعددية والقبول بالآخر وتداول السلطة وتجنب الهيمنة الأبدية على مفرداتها فضلا عن الشفافية واحترام مبدأ المواطنة في ظل مناخ تنموي ينهض على العدالة الاجتماعية. أتطلع إلى أن يتعهد القادة العرب بكتابة عقد جديد مع شعوبهم التي لم يعد بمقدور أحد أن يحكمها بالحديد والنار أو من خلال منهجية الاستبداد والقمع بل عبر آليات الاقتراع ووفق محددات النزاهة والشفافية والانحياز لمصالحها. في ضوء ذلك فإن القادة العرب مطالبون بالمصارحة فيما بينهم على أن النظام الإقليمي العربي لم يعد نظاما للحكام ولكن يتعين بالضرورة أن يكون نظاما للشعوب التي بوسعها هي فقط أن تمنح التفويض لمن يحكمها وفقا لشروطها التي تخاصم ما جرى في العقود الأخيرة والتي خضعت فيها لأنظمة حكم تعاملت مع المواطن باعتباره عبدا للرئيس ولبطانته وأسرته فضلا المتحالفين معه من رجال الثروة. وفي يقيني إذا نجحت قمة بغداد في بلورة هذه التصورات التي من شأنها أن تفضي إلى المصالحة بين الحكام والشعوب فستكون قد حققت اختراقا جوهريا ونوعيا نحن في أمس الحاجة إليه حتى يترسخ الربيع العربي وعندئذ فقط سنستعيد بقوة الثقة في مؤسسة القمة وهي بداية للدخول فيما بعد في مقاربات تدفع بالأمة إلى موقعها الصحيح إقليميا وعالميا. هل أحلم؟ ربما لكن ما الذي يمنعني من الحلم؟ السطر الأخير: فى ملكوت عينيك أحمل زادي طالعا من وهج النور بعناقيدهما تهمس لي طيورهما: بث صبابتك فيهما لا تصالح الغياب عنهما ارسم عشقك للمسافة بينهما لا تستدر اكتب قصيدتك ارمح بخيلك اركض قم فانهض احبس وجعك اشعل نورك سطر نارك قبل الحنطة في الأهداب مزق الحزن بالأحداق ارتو من دفء صاف رقراق تدثر بأشواقك تخندق بأمطارك قل: شعري لهما افتح الأبواب يتهيأ لك الياقوت تتفتح الشموس تنعقد الأسباب