26 أكتوبر 2025
تسجيل«هذه المسرحية تمت للواقع بصلة، وأي تشابه بين الشخصيات والواقع هو تشابه مقصود وليس صدفة فنية بحتة. آن الأوان لنواجه أنفسنا بالحقيقة.. أنت أحد أبطال هذه المسرحية، ابحث عن نفسك بينهم..». بهذه العبارات المباشرة قدم «فريق روى المسرحي» النسائي في الكويت لمسرحيته الجديدة «لا تأكلها»، وكأنه يريد أن يكسر الحاجز الوهمي ما بين العرض والمشاهد في فضاء المسرح. ذهبت قبل يومين لعرض المسرحية التي خصص جزء من ريعها لدعم إخواننا في غزة، ففوجئت قبل العرض بالأجواء التي سخرت كلها لهذا الهدف النبيل. المنظمات يرتدين الكوفية الفلسطينية، وأعلام فلسطين والكويت ترفرف في كل مكان حول المسرح. ورغم أن العرض مدته ساعة واحدة فقط، إلا أننا عشنا الحدث المتنوع، بديكوراته البسيطة والموحية بأبعاد النص، والتنويعات الإخراجية التي اعتمدت على الإضاءة الذكية والغناء والاستعراضات الجميلة، بمدة بدت لنا أطول من الساعة بكثير. وبلا ملل. فالأحداث متلاحقة والحركة سريعة، والمؤثرات الصوتية لعبت دورا كبيرا في لعبة التشويق. النص كتبته شاباتان هما آمنة الربيع وسارة المطيري، وهما اللتان تولتا مهمة الإخراج أيضا، وهذا ساهم بصنع تناغم جميل ما بين مقولات النص وتنفيذه على الخشبة بطريقة سلسة، وإن عانت قليلا من التشويش، وعدم الوصول الى المشاهد بسرعة، خاصة وأن المسرحية تنتمي كما بدا لي للمسرح التجريبي، وهو مسرح صعب بالنسبة لفرقة شابة كل أعضائها من الهواة. لكن اعتماد النص على فكرة تدور حول الوطن الذي يريد الجميع أن يأكله حياً عبر الفكر الوصولي، كما يتناهش الكيكة اللذيذة من حولها! ولأن المسرحية نسائية بالكامل، تأليفا وإخراجا وغناء وتمثيلا وإنتاجا.. وكل شيء تقريبا، فقد كان الأمر أكثر صعوبة في التنفيذ. وهو ما جعل من الأدوار الرجالية هي الحلقة الأضعف في التمثيل، فالفتيات لم يسبق لهن التعاطي مع أدوار رجالية مفرطة في ذكوريتها وفقا للنص المكتوب. وهو ما خلق ثغرة في منتصف المسرحية بعد دخول الشخصيات الرجالية، ساهمت بتحويل النص الى كوميديا غير مقصودة لذاتها في تلك المشاهد تحديدا. لكن المعالجة الموسيقية الذكية والتي اعتمدت على مؤثرات بدأت بنصوص شعرية ومسرحية وغنائية أيضا نجحت قليلا في انكشاف العرض التمثيلي. فقد بدأت المسرحية بفضاء مفتوح على «كيكة ضخمة» توسطت المسرح مع توالي مقاطع صوتية شعرية ومسرحية للشاعر محمود درويش والشاعرة د. سعاد الصباح (بصوت الباحثة ألطاف المطيري)، والفنان دريد لحام وأصوات وقصائد ومقاطع أخرى لم أميزها، في لحظتها، ولا أتذكرها الآن خاصة بغياب هاتفي الذي اعتدت تدوين كل شيء في دفتر ملاحظاته عندما أحضر عرضا مسرحيا، فهذه هي المرة الأولى في حياتي التي أحضر فيها مسرحية تحجز فيها هواتف الجمهور قبل الدخول لأن معظم المشاركات محجبات ولا يصح تصويرهن في العرض بلا حجاب. ورغم أن الفكرة هنا اعتمدت على التناص الحي ما بين هذه المقاطع المسجلة والمسرحية المعروض أمامنا مباشرة، إلا أن الربط بين الاثنين شابه بعض الخلط والتشويش بسبب الاعتماد على أفكار كثيرة في عرض ضيق جدا. أما التمثيل فعدا عن الشخصيات الرجالية كان متفوقا إلى حد مدهش، وبالذات الفتاة التي قدمت دور «صمود»، إذ بدت لي وكأنها ممثلة محترفة بتعبيراتها ورشاقة خطواتها المدروسة على الخشبة، وتنويعاتها الأدائية. وجارتها أيضا في الأداء بعض الفتيات الأخريات، ومنهن الفتاة التي قدمت معظم دورها في القاعة بعيدا عن خشبة المسرح ونجحت في ربط الخشبة بالجمهور أولا، ثم في إشغال الجمهور عن الخشبة أثناء تغيير قطع الديكور ثانيا، وإن كنت أرى أن استخدام عبارات تقليدية مثل (الفئران قادمة.. احموا الناس من الطاعون)، كان استخداما مستهلكا، ولا يناسب مسرحية تجريبية في كل مقولاتها. بقى أن أحيي هذه الفرقة المسرحية النسائية الشابة والتي قدمت لنا نموذجا لمسرح راق وجميل، ونجحت في تحشيد جمهور نسائي كبير ملأ المسرح عن آخره، وسخرت ذلك كله ليس فقط للقضية التي تناقشها المسرحية، بل لقضية أخرى تجرى فصولها في غزة الآن بالتضامن والتحفيز والتعريف أيضا.