22 سبتمبر 2025
تسجيلاحتار الفلاسفة والحكماء والشعراء والعلماء فى تفسير معنى السعادة، لكنهم اتفقوا على أنها حالة نسبية تجمع بينها أسباب مشتركة هى رضا النفس، وطمأنينة القلب، وصفاء الروح، والثقة بالذات، والقبول الحسن من الآخرين، والتفاعل معهم فى مواجهة أعباء الحياة بوعى تام، والادراك الحقيقى لما تتطلبه ظروف الحياة، وما تقتضيه العلاقة بالآخرين من تضحية وعطاء، مع الالتزام الصارم بما يفرضه الدين من عبادات، دون التقيد بما يفرضه المجتمع من عادات هى وليدة ظروف غير مستقرة، لأنها تتغير بتغير الأزمة والأمكنة على امتداد التاريخ، حتى وان أخذت صفة الديمومة عند قوم، فقد لا تكتسب هذه الصفة عند قوم آخرين، فالكرم مبعث سعادة عند أناس، والبخل أيضا مبعث سعادة عند آخرين، رغم ما بين السلوكين من تناقض، فليس ثمة كريم يحب البخل، وليس ثمة بخيل يحب الكرم، وهذا مجرد مثل، لذلك كانت لكل فرد نظرته الى مبعث السعادة وأسبابها ودلالاتها الحياتية والفلسفية، وللشعراء موقفهم من السعادة الذى يشتركون فيه مع غيرهم من البشر من حيث التنوع والتناقض والاختلاف، وما يميزهم عن غيرهم هو أنهم استطاعوا صياغة نظرتهم للسعادة شعرا حفظه لهم ديوان العرب، ورددته الأجيال للاستشهاد به كلما دعت الحاجة اليه. فهذا ابن أبى حصينة يرى السعادة فى طول العمر فيقول: لا تعدم الدنيا بقاءك اِنما طُول السعادة أَن تعيش طويلا لكن أبا الفضل الوليد يرى السعادة مجرد خدعة يغرينا بنيلها نزق الشباب بينما هى مجرد سراب فيقول: ان السعادة خدعة قتالة نزق الشباب بنيلها يغرينا ويشاركه فى هذا الرأى أبو القاسم الشابى الذى يرى السعادة حلما تسعى اليه الأمم وتبذل أيامها لهذه الغاية، وكأنها وفى ذلك يقول: فما السعادة فى الدنيا سوى حلم ناء تضحى له أيامها الأمم لكن أبا العلاء المعرى يرى أن السعادة ينالها من ينأى بنفسه عن الطغاة، وكأنما أراد أن يقول ان ينأى عن السياسة، فهى تجر الشقاء على من يميل الى هذا الطاغية او ذلك ممن ملأوا الدنيا ظلما وطغيانا، وكلهم فى ذلك سواء، لذلك يقول: يتشبهُ الطاغى بطاغٍ مثله وأَخو السعادة بينهم من يسلم ويرى أبو العتاهية أن السعادة هى الابتعاد عن صغائر الأمور، واكتساب صفة الكرم، مع الكف عن أذى الآخرين: ومن السعادة أَن تعف عن الخنا وتنيل خيرك أَو تكف أَذاكا وفى نظرة غير بعيدة عن نظرة أبى العتاهية نجد ابن الابار يقول: واحرص على نيل السعادة جاهدا بالبر والتقوى فنعم النائل وللنابغة الزبيانى قول مشهور فى السعادة: ولست أَرى السعادة جمع مالٍ ولكن التقى هو السعيد وتكتمل الصورة عند أبى الفتح البستى فى قوله: ان كنت ترغب فى السعادة والاحاطة بالحقائق وتريد أن تفضى الى سعة الفضاء من المضائق فارح فؤادك من مطالعة العلائق والعوائق وافزع الى الله الكريم ودع مواصلة الخلائق ان السعيد هو الغنى عن العلائق والعوائق وتتبع أقوال الشعراء عن السعادة يطول لكثرة ما قيل فى هذا المجال، وهذا غيض من فيض، ودمتم فى سعادة وهناء، وجعلكم الله من أصحاب الخير والعطاء، بقدر ما تملكون من حسن الرجاء، وما كتب لكم من طول البقاء. [email protected]