11 سبتمبر 2025

تسجيل

تصحيح التصورات المتعلقة بالاستدامة البيئية في قطر

19 يناير 2023

تبذل قطر جهوداً ملحوظة لدعم العديد من القضايا المتعلقة بالاستدامة، ومنها التنوع المستمر للاقتصاد، والتوسع في الموارد المتجددة، وتقليل النفايات، وتعزيز كفاءة استخدام المياه، والأمن الغذائي، والحفاظ على التنوع الحيوي الفريد لبيئتها الصحراوية ونظمها البيئية. وهذه التحديات الخطيرة لا تواجهها قطر وحدها، بل تعاني منها الكثير من المجتمعات التي تعيش في المناطق الحارة والقاحلة. ولهذا أطلقت مؤسسة قطر في مارس 2022 مركز "إرثنا" ليكون داعماً أساسياً في رسم سياسات الاستدامة محلياً وعالمياً وتصحيح التصورات المتعلقة بها. ومن أبرز التصورات عن الاستدامة في قطر اختلال القدرة البيولوجية لنظامها البيئي وارتفاع معدل انبعاثات الغازات الدفيئة للفرد الواحد، وهي تصورات تعجز عن فهم الاستدامة في سياق كل دولة، ولا تعي الإسهامات التي تقدمها قطر لخدمة مجال الاستدامة عالمياً، وسيتضح ذلك بالنظر إليها وتحليلها عن قرب. اختلال القدرة البيولوجية للنظام البيئي فيما يتعلق بالنقطة الأولى، فإن المقياس الدولي للبصمة البيئية يصنّف قطر بالفعل من بين أكبر الدول التي تعاني اختلالات في "القدرة البيولوجية للنظام البيئي"، أي الإفراط في استخدام مواردها الطبيعية إلى حد يفوق قدرة هذه الموارد على التجدد. فلو افترضنا على سبيل المثال أن اقتصاد دولة ما يعتمد اعتماداً رئيساً على صادرات الأخشاب، فيجب على هذه الدولة ألا تقطع الأشجار بمعدل يفوق قدرة الغابات على النمو اللازم لاستبدال الأشجار التي قُطعت. ولذا، نجد أن معظم الدول تراعي في استراتيجيات التنمية استخدام مواردها في حدود قدرات هذه الموارد على التجدد بصورة طبيعية؛ حفاظاً عليها من النضوب. لكن الوضع مختلف تماماً بالنسبة إلى قطر ولا يمكن تطبيق نفس المعايير عليها؛ لأن اقتصادها لا يعتمد على مصادر متجددة، فهي دولة ذات مساحة محدودة للغاية، وتقع في أقحل الصحاري على وجه الأرض. ومن ثم، فإن بيئتها الطبيعية أو "قدرتها البيئية"، لا تكفل استدامة اقتصادها، بل تعتمد في اقتصادها على موارد طبيعية غير متجددة، وأهمها صادرات الغاز الطبيعي. وقد أحسنت قطر استغلال هذه الموارد غير المتجددة في امتلاك ثروة بشرية وإنشاء بنية تحتية هائلة وبناء رصيد من الاحتياطيات المالية، وهو ما أسهم في تحقيق ازدهار واسع لسكانها. لذا، يجب أن تُفهَم الاستدامة هنا في سياق هذا التحول المتعلق بالثروة. أعلى معدل لانبعاثات الغازات الدفيئة وبالنسبة إلى النقطة الثانية المتعلقة باتهام قطر بأنها أعلى دول العالم في معدلات انبعاثات الغازات الدفيئة للفرد الواحد، فيجب سرد بعض الحقائق لتوضيح الأمر. صحيح أنه لا خلاف على أهمية تقليل قطر للانبعاثات والتشجيع على ترشيد الطاقة والانتقال إلى استخدام الطاقة المتجددة لتعزيز اقتصادها والوفاء بالتزاماتها الدولية، ولكن من الخطأ توجيه أصابع الاتهام إليها من خلال حساب الانبعاثات على أساس نصيب الفرد، لاسيما إذا كان مجموع انبعاثاتها ضئيلاً، إذ تبلغ حجم الانبعاثات الصادرة عن قطر حوالي 106 ملايين طن من مكافئات ثاني أكسيد الكربون سنوياً، وهو ما يمثل أقل من خُمس الواحد بالمئة من مجموع الانبعاثات على مستوى العالم. هناك أيضاً أحد العوامل المهمة التي يجب النظر إليها من زاوية مختلفة وهي صادرات قطر من الغاز الطبيعي. تصدّر قطر الغاز لدول تعتمد اعتماداً رئيساً على الفحم لتوليد الكهرباء. وإذا ما علمنا أن الانبعاثات الصادرة عن كل وحدة من الغاز تساوي فقط نصف الكمية الناتجة عن الفحم، فإن النتيجة المنطقية هي أن قطر تساعد في خفض نسبة الانبعاثات من خلال استبدالها الغاز بالفحم في هذه الدول. كذلك لا ننسى الدور الذي يلعبه الغاز في اتفاق باريس للمناخ الذي ينشُد الحفاظ على مستويات درجات الحرارة عند 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2050، إذ يعد الغاز عاملاً حاسماً في تحقيق هذا الهدف، وهو ما نصَّت عليه الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ في أحدث تقاريرها. وهكذا نرى أن قطر تؤدي دوراً مهماً في تعزيز الاستدامة على مستوى العالم كما أوضحنا وليس العكس باعتبارها من كبار مصدري الغاز. أضف إلى ذلك أن قطر تبذل جهوداً كبيرة لقيادة المسيرة نحو خفض الانبعاثات وإزالة الكربون من سلسلة القيمة للغاز الطبيعي المسال من خلال تقليل الاحتراق، وضخ استثمارات هائلة في مشروعات الطاقة المتجددة لدعم مرحلة انتقالها إلى استخدام الطاقة المتجددة، بالإضافة إلى استثماراتها في التكنولوجيات الجديدة لالتقاط الكربون وتخزينه، وفي الهيدروجين، وهي استثمارات سيعم نفعها على البشرية أجمع. دور مركز إرثنا وأخيراً، ما نريد أن نوضحه هنا أن أي مسار تتبناه أي دولة لتحقيق الاستدامة يجب أن يرتبط بواقعها وألا ينفصل عن سياقها، وليس بالضرورة أن يكون مشابهاً لأنظمة تتبعها دول أخرى. هذه الأمثلة التي أوردناها وغيرها من التصورات والسياسات والمسارات المتعلقة بالاستدامة تحتاج إلى إعادة النظر والتعامل معها برؤية مختلفة، وهنا يأتي دور "إرثنا" الذي نأمل أن يسهم في إعادة تعريف الاستدامة ورسم سياساتها وتصحيح المفاهيم المتعلقة بها ليس في قطر فقط بل وفي جميع البلدان الحارة والقاحلة على مستوى العالم.