19 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); تُطرقُ الأبواب عصر كل يوم لتحمل سيدات الحيّ "الفريج" الشاي والقهوة وتفوح رائحةَ الكحك اللذيذة من تلك السلال التي يحملونها، لتفتح لهن جارتهن الأبواب وترحب بهن للدخول في منزلها المتواضع.يجتمعن جميعاً حول المائدة الثريّة بكل أكلاتنا الشعبية ، ويعطّر العود والبخور أرجاء المكان.يتزاحم الصغار لسماع أحاديث الأمهات لتروي كل منهن مامرت به في ذلك الأسبوع يتشاركن همومهن وأفراحهن معا.بينما يجتمع جدّي في مجلسه مع الرجال وبحضرة كبار السنّ وصغارهم يتبادلون فيما بينهم الأحاديث ورواية ذكريات الماضي والأجداد وتعزيز المواقف البطولية ليتعلمها الصغار.فروح التواصل والتمسّك بعراقة الماضي باتت بين أحضان ذلك الجيل.هكذا كان التواصل العفويّ وترابط الأنساب، وتغيرت تلك المعاني الجميلة بوجود العالم الافتراضي "السوشيال ميديا" والذي لايعرف الحقيقة، فقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي في وقتنا هذا من أهم مفاهيم حداثة الحياة، لا يستغنى عنها الأفراد صغاراً وكباراً وللأسف حتى الأجداد.أخذنا هذا العالم الافتراضي بعيداً عن العالم الواقعيّ، وبناء العلاقات الأسرية القوية وتمكين الروابط بين الأجيال.فأصبح كل منا منشغلاَ بعالمه الخاص والذي يعتقد أنه أصبح لديه قاعدة جماهيرية من المعارف والأصدقاء ولكنهم للأسف هم " وهميون".نعلمُ بأن هناك نواحي إيجابية لهذه الظاهرة الافتراضية فقد جعلت من العالم كله قرية صغيرة يتبادلون من خلالها المعارف والخبرات والاطلاع على أحدث المستجدات من حولنا، ولكن سلبيات هذا العالم الافتراضي طغت بصورة جليةً، فقد جعلت من الفرد كسولاً منعزلاً يحب الانطوائية سريع التفكير غير متأنٍ كما جعلت من أناسِ " تافهين" في أفكارهم ومعتقداتهم مشاهيراً بلاقيمة.وأتخيّل لو أن هذه الظاهرة كانت في زمن الإدريسي أو الفارابي وغيرهما من العلماء لكانوا أثْرَوْا برامج التواصل الاجتماعي بكنوز معرفتهم عوضاً عن السياسة المتبعة الحالية لكل من هبّ ودبّ وأراد أن يكون مشهوراً.أدعو الجميع من هذا المنبر للتفكير مجدداً في بناء علاقات أسرية نستمدها من تعزيز أواصر التواصل الحقيقي مع أبنائنا وآبائنا لتعتمد في مقامها الأول والأخير على هذا التواصل الحيّ.بالفعل مللنا تلك الحروف والرسائل الإلكترونية والصورالمجمّدة التي نستقبلها يومياً على هواتفنا الذكية، فقد اشتقنا لأصواتٍ ووجوهِ لم نعد نسمعها ونراها أعواماً وأعوام.ولا يوجد هناك أحلى وأمتع من "سوشيال ميديا جدّي وجدّتي" فابحثوا عنها.