16 سبتمبر 2025

تسجيل

الانتحار الذاتي للإخوان المسلمين (14)

19 يناير 2016

مع فوز الدكتور محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية المصرية، دخلت جماعة الإخوان المسلمين مربع الحكم، مع أن مرسي لم يكن هو المرشح الأساسي للجماعة في الانتخابات، فقد تم ترشيحه بديلا للقيادي الإخواني خيرت الشاطر بعد تعذر ترشحه، وقد كانت لحظة فارقة، فلأول مرة يصل إلى سدة الرئاسة رئيس مدني شرعي منتخب شعبيا عبر صناديق الاقتراع.للأسف الشديد فإن الدكتور مرسي تعامل مع الأمر بطريقة غير مقنعة، فلم يتصرف بطريقة ثورية رغم أنه يمثل الثورة التي حملته إلى أرفع منصف في الدولة، وبدلا من إسراعه في "تطهير" الدولة وأجهزتها من عناصر الدولة العميقة والعسكر والإعلام الفاسد والقضاء الأفسد ورجال الأعمال المرتبطين بالفساد، تصرف بعقلية "الإخوان الترقيعية" التي تقوم على المسالمة والمهادنة وأنصاف الحلول، وهي تصرفات غريبة وسلوك غير مقبول من رئيس حمله الشعب إلى الحكم، وبدأ بانتهاج سياسة غير منطقية بالتصالح مع "الواقع الأعوج"، وتصرف وكأنه يقود "دولة ناجزة مستقرة" بمؤسساتها وأجهزتها وجهازها البيروقراطي الضخم، وأخذ يتحدث عن برنامج المائة يوم، وهي مدة زمنية لا تكفي لتنظيف شوارع القاهرة من النفايات، فكيف بتنظيف "النفايات السياسية" التي تراكمت خلال عقود، وأخذ يتحدث عن المؤسسة العسكرية وأجهزتها على أنهم "رجالة دهب"، وأخذ يتصرف وكأنه رئيس لإحدى الديمقراطيات العريقة، وهنا بدأت تتراكم الأخطاء التي ساعدت في النهاية على قلب الأمور رأسا على عقب والعودة إلى المربع الأول.صحيح أن الأخطاء التي ارتكبها الدكتور مرسي لا يمكن تبريرها أو الدفاع عنها، ولكنها كانت تأتي في السياق الطبيعي لحركة المجتمع وتطوره وانتقاله من مرحلة إلى مرحلة أخرى، والإخوان المسلمون لم ينزلوا من السماء إلى مصر، فهم أبناء المجتمع المصري مثلهم مثل كل القوى الأخرى، ويعانون من الأمراض نفسها التي يعاني منها المجتمع، ولذلك فهم ليسوا "ملائكة"، والرئيس الذي ينتمي إليهم هو ابن هذا المجتمع بكل تناقضاته ومشاكله وعوراته، ولو كان الرئيس يساريا أو قوميا أو ليبراليا، ربما كان سيقع في نفس الأخطاء أو ما هو أكثر منها.هذه الأخطاء التي ارتكبها الرئيس مرسي "الإصلاحي التوافقي" تحتاج إلى بحث خاص، لكننا نجافي الحقيقة ونظلم الرجل إذا اعتبرنا أن هذه الأخطاء كانت هي السبب الوحيد لانهيار التجربة الديمقراطية الوليدة في مصر، وللأمانة فإن الرئيس مرسي تعرض لمؤامرات كثيرة، ودُفعت أموال طائلة للإطاحة به وبثورة يناير وبجماعة الإخوان المسلمين، فقد كانت الدولة العميقة نشطة جدا تحت الأرض، وعملت الكنيسة المسيحية القبطية بجد من أجل إنهاء هذه التجربة، أما العسكر من الجنرالات وقيادات الجيش، الذين تربوا على العداء للإخوان المسلمين والديمقراطية، ويعتبرون أنفسهم الشعب والهوية، فقد قرروا أنهم لن يسلموا الجيش لـ"راجل منعرفوش" كما قال أحد جنرالاتهم، وبدأ الإعلام الممول من بعض دول الخليج داخل مصر وخارجها ببث السموم لتلويث الأجواء السياسية والاجتماعية في مصر، ودفعت كثيرا من "الرز" للإطاحة بالثورة والرئيس والإخوان المسلمين مرة واحدة.