17 سبتمبر 2025
تسجيللم تنتظر الإدارة الأمريكية طويلا، لتعلن مجددا معارضتها لعودة العرب، وفي القلب منهم الفلسطينيون، إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار جديد ينص على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي المحتلة، وفق جدول زمني وذلك في ضوء قرار مجلس الجامعة العربية، في اجتماعه الطارئ الذي عقد يوم الخميس الماضي على مستوى وزراء الخارجية، بعد أن أخفق المجلس في تمرير مشروع القرار خلال الشهر الماضي، بسبب مناورات أو بالأحرى مؤامرات واشنطن والكيان الصهيوني، وشخصيا لا أملك قدرا كبيرا من التفاؤل بنجاح المحاولة الجديدة للتوجه إلى مجلس الأمن، رغم انضمام خمس دول ضمن أعضائه غير الدائمين يصنفون ضمن دائرة المؤيدين للقضية الفلسطينية، لأن المعضلة لم تعد في الحصول على تسعة أصوات لتمرير مشروع القرار العربي، وإنما تكمن بالأساس في الانقضاض الأمريكي عليه، عبر استخدام حق النقض "الفيتو" وهو السلاح الذي استخدمته حوالي 44 مرة خلال سنوات الصراع العربي الصهيوني، ومع ذلك، لا أدعو إلى التوقف عن المحاولة ولكن لتكن الأخيرة، إذا ما انقضت واشنطن على مشروع القرار الجديد بالفيتو، فعندئذ سيبدو العرب والفلسطينيون في وضعية الحريص على الشرعية الدولية ولكنها لم تتمكن من الاستجابة لمطالبهم وهي بالأساس لم تخرج عن أطر ومحددات هذه الشرعية التي لا يمكن أن تبقي شعبا تحت الاحتلال كل هذه السنوات وهي ما يجردها من مصداقيتها التي تآكلت بالفعل على مدى يقترب من السبعة عقود منذ الإعلان عن الكيان الصهيوني في المنطقة العربية ولكن هل ثمة بدائل؟.الرئيس محمود عباس – أبو مازن، كان واقعيا في مداخلته المهمة أمام الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب، فقد طرح خيارين، أولهما بلورة حل دولي، ولكنه استدرك قائلا: بالأحرى حل أمريكي، مبديا مراهنته على قدرات واشنطن إذا ما استيقظ ضميرها بإمكانية ممارسة الضغوط على حكومة الكيان، معيدا إلى الذاكرة موقف الرئيس ايزنهاور إبان العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956، فعندما اقتنع بعدم موضوعية أهداف العدوان لسبب أو لآخر طلب من رئيس وزراء الكيان آنذاك بن جوريون بسحب قواته من سيناء، وفي اليوم التالي سأله ماذا كان قد استجاب للطلب، فنفى ذلك، فبادر بقوله له: سأنتظرك خلال ساعة تبلغني في نهايتها ببدء انسحاب القوات، وهو ما تم بالفعل، وإن كنت أعزي موقف إيزنهاور إلى أنه لم يشأ أن يدخل بلاده في حرب كونية جديدة، بعد تهديد الاتحاد السوفيتي الشهير للكيان باستخدام الصورايخ الطويلة المدى.صحيح أن ثمة تحولات مهمة جرت في المشهد الدولي، فلم يعد هناك الاتحاد السوفيتي القوة المناوئة للولايات المتحدة، التي باتت القطب الأوحد في النظام العالمي القائم، رغم كل محاولات الرئيس الروسي الحالي فلاديمير بوتين لإبقاء موسكو، رقما مهما في المعادلة الدولية الراهنة، وبالتالي فإن المراهنة الفلسطينية - وللأسف العربية - على الدور الأمريكي، والتي أطلق شرارتها الرئيس المصري الراحل أنور السادات، عندما روج لمقولة إن 99 في المائة من أوراق القضية في يد واشنطن، "لا تبدو مجدية أو مفيدة على المدى المنظور، إلا إذا وقع تغيير جوهري في أسس وجوهر التعاطي الأمريكي مع القضية الفلسطينية، الأمر يتطلب جهدا عربيا وإسلاميا استثنائيا لدفع النخب السياسية في الولايات المتحدة للاقتناع بالحقوق العربية والفلسطينية والتي لا تحظى باهتمام هذه النخب التي تربت سياسيا وإعلاميا على وفرة من الدعايات والأكاذيب الصهيونية، التي تستخدم كل الوسائل للوصول إلى المتلقي، بما في ذلك أسلحة المال والإعلام، وتشكيل قوى الضغط القادرة على اختراق مؤسسات صناعة القرار، وفقا لما يتيحه القانون الأمريكي، بينما العرب والفلسطينيون -رغم كثرتهم العددية في الولايات المتحدة وقدراتهم المالية بدولهم - لم يسعوا إلى ممارسة أي ضغوط أو القيام بتحركات جدية، باتجاه تغيير قناعات هذه النخب والتي تمتد من الكونجرس بمجلسيه، أو داخل البيت الأبيض أو وزارة الخارجية أو البنتاجون أو مراكز البحوث التي تمتلك تأثيرات واضحة في صياغة القرارات المهمة للإدارة ومؤسساتها، إضافة إلى رجال المال والإعلام والفن.إن مجلس الأمن لا يمثل نهاية المطاف بالنسبة للقضية الفلسطينية، التي لم يحسن التعامل معها، من فرط هيمنة واشنطن على مساراته إلى الدرجة التي يرى البعض أنه بات منذ سنوات خاصة منذ السقوط المدوي للاتحاد السوفيتي في مطلع تسعينيات القرن الفائت، أشبه بالذراع الدولية لسياستها الخارجية، فمن خلاله تحقق أهدافها وهو ما تجلى في استصدار قرار منه يبيح شرعية الغزو الأمريكي للعراق في 2003 على سبيل المثال لا الحصر، فضلا عن ذلك، فإن ثمة بعدا أخطر في المسألة عبر عنه الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية في كلمته أمام الاجتماع الوزاري الطارئ، عندما لفت إلى أن المشكلة لا تكمن في أن يصدر مجلس الأمن قرارا جديدا لصالح الفلسطينيين فحسب، ولكن في القدرة على فرض تنفيذه، فكم من القرارات التي أصدرها -وبعضها لو طبق في حينه لتغيرت مسارات القضية الفلسطينية لم تدخل أبداً خانة التنفيذ، فالكيان الصهيوني، مدعوما بقوة من الولايات المتحدة ، كان – وما زال - يقف بالمرصاد دون ترجمتها على الأرض، وأظن أن قرارات الشرعية الدولية بالنسبة للقضية الفلسطينية لم تختبر على صعيد الواقع، وهي إشكالية أخرى في النظام الدولي، والذي يقدر على تطبيق قراراته بالنسبة لمختلف القضايا والأزمات، لكنه يعجز تماما عن قراراته التي تتعارض مع رغبة الكيان وأهداف مشروعه الاستعماري والاستيطاني، وهو ما ينبغي أن يركز التحرك العربي المرتقب في المرحلة الحالية والذي بدأ أمس من قبل أمين عام الجامعة العربية بزيارة بروكسل للالتقاء بقيادات الاتحاد والبرلمان الأوروبي، لإقناعهم بحشد جهودهم وراء مشروع القرار العربي الجديد لمجلس الأمن، مستغلا في ذلك حالة الحراك الإيجابي التي تجلت مؤخرا في اعتراف بعض الحكومات والبرلمانات الأوروبية بدولة فلسطين، بيد أن الأمر ما زال يستوجب مواجهة دبلوماسية مع الإدارة الأمريكية، من خلال التوظيف الصحيح لربط مصالح الولايات المتحدة في المنطقة بمدى نجاحها في تحقيق مطالب الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة، وهو أمر أقرته منذ الرئيس السابق جورج بوش من خلال الإعلان عن حل الدولتين، وفي تقديري أن ثمة أوراق ضغط يمتلكها الطرف العربي، يمكن التلويح بها لو أحسنوا استخدامها ووحدوا مواقفهم تجاهها، سواء سياسيا أو اقتصاديا أو إستراتيجيا، وهي معروفة لصناع القرار والنخب السياسية، غير أنها في حاجة إلى إيقاظ وتفعيل والتوافق بشأنها.السطر الأخير: أنت يا الله، من يفك ضفائر وجعنا ويعيد العافية لصيرورتنا