17 سبتمبر 2025

تسجيل

ما جدوى حرماننا من النوم؟

18 ديسمبر 2017

شهد الأسبوع الأخير من نوفمبر المنصرم، معرضا لـ«النوم والأحلام» في شمال لندن، ولم أقم بزيارة المعرض بل قرأت عنه، فلست مجنونا بدرجة أن أزور لندن في مثل هذا الوقت من السنة.  كانت الغاية من المعرض محاولة حل لغز النوم، الذي لا يزال يحير العلم والعلماء.. وبالمناسبة فإن أشهر مراكز أبحاث النوم موجودة في أسكتلندا، وهي البلد الذي ينتج أفخر – وفي رواية أخرى أفجر – أنواع الويسكي، وكبرى مدنه – جلاسجو، هي الأكثر استهلاكا للمخدرات في بريطانيا.. هل فهمت قصدي من الإتيان على ذكر الخمر والمخدرات في سياق الحديث عن النوم والأبحاث المتعلقة به؟ عنك ما فهمت! عيب، أعتذر وأسحب الجملة الأخيرة، فما أريد قوله هو إن تبرير بعض الشريبين والشفاطين، بأن ذلك يساعدهم على النوم، لا يقوم على أساس علمي، بدليل أن الأسكتلنديين يشربون ويشمشمون، ومع هذا يعانون من اضطرابات النوم، ولهذا قام في بلدهم أكبر مركز لأبحاث النوم في العالم، ويتم تدريس "النوم" في كلية الطب في جامعة أدنبرا الأسكتلندية.  تزامن معرض "النوم والأحلام" مع ذكرى تجربة فريدة من نوعها خاضها راندي قاردنر في عام 1964، عندما بقي مستيقظا 11 يوما وليلة (264 ساعة)، وكان كلما داهمه النعاس مارس لعبة كرة السلة لبضع دقائق، وبنهاية التجربة شكر من كانوا حوله وسقط مغشيا عليه. لم يصب بمكروه صحي. فقط صرعه سلطان النوم، وظل بعدها لعدة أيام «لا يجمِّع» أي خارج الشبكة، أي؛ فاقدا القدرة على التركيز.  ما يحملني على الخوض في هذا الموضوع، هو أن هناك ولعا شديدا بين جيل الشباب للسهر، بل هناك من يتباهى بأنه ظل مستيقظا حتى موعد الدراسة أو العمل في اليوم التالي، وبالمقابل هناك من يتباهى بأنه ينام 12 أو 14 ساعة في اليوم، وبـ«العقل» والتجربة فإننا نعرف أن الإفراط في السهر يدمر الصحة، وأن الإفراط في النوم لا يزيدك نشاطا، بل بالعكس، فكلما أطلت في النوم استيقظت وأنت تحس بالتعب.  وكثيرون يتفادون نوم القيلولة لأنهم يستيقظون منه مرهقين...  يقول البروفسور جيم هورن من جامعة لاوبره البريطانية، إن النوم يمثل الفرصة الوحيدة للمخ كي يرتاح ويسترد نشاطه، فبالنوم العميق تنسى لبعض الوقت أقساط السيارة وخسائر البورصة، ودارفور وغزة وترامب وسائر المنغصات. وابن آدم ينام أحيانا حتى وهو يعرف أن في ذلك هلاكه (البحارة في السفن الغارقة وقباطنة الطائرات وسائقو السيارات في رحلات طويلة المسافة والأمد، مثلا).. وبالتجربة والبرهان العلمي فإن النوم لأقل من خمس ساعات، أو لأكثر من تسع يوميا ضار بالصحة، والاستثناء هو أن هناك بعض الناس برمجهم رب العالمين بحيث لا يستطيعون النوم لأكثر من – مثلا – 4 ساعات في الليلة الواحدة (رئيسا وزراء بريطانيا السابقان تشيرتشل ومارجريت تاتشر، مثالًا). في عالم اليوم الذي صار فيه الإنسان نفسه سلعة، هناك معامل أبحاث دوائية تسعى لتطوير عقار يجعلك تستغني عن النوم. ليس من شاكلة الكافيين والأمفيتامينات التي تعطيك دفعة مؤقتة (وزائفة) من النشاط، بل عقار يعطل منظومة الأنسجة والخلايا والأعصاب التي تحملك على النوم، ولكن دون أن يترتب على ذلك – أي الحرمان من النوم– مشكلات من قبيل فقدان القدرة على التركيز أو التحكم في الأشياء (السيارة والأجهزة الكهربائية مثلا). ألن يكون ذلك العقار مثل السعي للإنجاب بتكليف أشخاص آخرين بتلك المهمة، أو باللجوء إلى البنوك التي تبيع ماء الرجال وبيض الأرحام؟ أين عنصر المتعة في «الرفقة والألفة» وفترات الترقب والانتظار؟ ولماذا أبقى يقظانا بعقاقير لشهر كامل؟ حتى يكون بمقدور المدير تكليفي بمهام من الرابعة فجرا إلى الرابعة عصرا؟  يا شباب ناموا مبكرين فأمامكم مراحل ستصيحون فيها: نفسي أنام في السابعة مساء يا عيال... اهمدوا الله...... يسامحكم.