04 نوفمبر 2025

تسجيل

ترامب ليس الشعب الأمريكي

18 ديسمبر 2017

يخطئ من يخلط بين الإدارة الأمريكية الزائلة والشعب الأمريكي الدائم ولا بد أن نفرق بين هذه وذاك ونسن سياسة عربية إسلامية ذكية متوازنة حكيمة حتى لا نخسر تلك القوة الشعبية الأمريكية التي سبق وأن ساندت حقوق العرب في تحرير بلدانها من الاستعمار الفرنسي والبريطاني وسبق أن أجبرت العدوان الثلاثي على مصر على إجلاء الأرض المصرية بعد أن قام عبد الناصر بتأميم قناة السويس سنة 1956 فتحالفت فرنسا وبريطانيا وإسرائيل على تلقين عبد الناصر درسا قاسيا (حسب ما رواه لي شخصيا مهندس العدوان وزير خارجية فرنسا آنذاك كريستيان بينو).  يخطئ من يعتقد أن الشعب الأمريكي عدو للعرب بشكل نهائي بل يتفق كل الأمريكيين من أصول عربية أو مسلمة أن الشعب مغرر به ويخضع جزء منه للتلاعب بالعقول الذي تمارسه آلة إعلامية ضخمة وشريرة. وعلينا أن نفك شفرات القوة الأمريكية ونتعامل مع الديناصور الأمريكي بمعطيات حقيقية أي أننا أمام عملاق عسكري وجيوستراتيجي لديه رؤوس عديدة لا رأس واحدة وندرك أن ما يحرك هذه الرؤوس جميعا هو خدمة المصالح الأمريكية في العالم لكنها لا تتفق دائما على المناهج والآليات فالرئيس هو الذي يمنحه الشعب ثقته المؤقتة لتأسيس الإدارة التنفيذية (لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة) وتبقى السلطة التشريعية بين أيدي الكنغرس الذي لا يمكن لأي قرار رئاسي هام أن يمر دون موافقته وفي أغلب الأحيان تكون الأغلبية فيه معارضة لحزب الرئيس من أجل توازن أكثر عدلا ثم إن للرأي العام الأمريكي قوى عديدة ذات تأثير على توجيه السياسات منها القوة الإعلامية الفاعلة بأذرعها الناجعة (وهي التي غزت العالم بإنترنت وهوليوود والتكنولوجيات) ومنها قوة اللوبيات الكبرى المالية والعقائدية ومنها التأثير الكبير للنقابات وأسلاك المهن الحرة مثل هيئات المحامين والأطباء والجامعات المتقدمة) ولو حللنا تداعيات القرار الأحمق والخطير للرئيس ترامب في شأن بيت المقدس لوجدنا أن إثنين فقط من اللوبيات دعمهما وهما لوبي ما يسمى (الأيباك) أي تجمع الجمعيات اليهودية في الولايات المتحدة واللوبي يعقد مؤتمره السنوي بحضور المسؤولين الأمريكان والطامحين لكسب أصوات اليهود والمتعاطفين معهم واللوبي الثاني الذي رحب بالقرار الرئاسي هو تجمع الكنائس الأنجليكانية (وهو يضم حوالي 45 مليون مواطن يجمع بينهم الاعتقاد الخرافي بأن لأمريكا رسالة روحية وعسكرية لحماية إسرائيل وأن الإسلام دين دخيل طارئ جاء لتقويض ما يدعون أنه الدين المسيهودي جويشكريستيان!) وما عدا هذين الداعمين لا نجد لدى القوى الحية المؤثرة الأخرى تأييدا للقرار   ان الولايات المتحدة هي التي أعطت للعالم كتابا عمالقة أسسوا للقيم الأخلاقية أمثال جون شتاينبك وارنست همنغواي ووليم فولكنر والمجتمع الأمريكي هو الذي حصد مئات جوائز نوبل في الفيزياء والكيمياء والطب والأدب والسلام منذ تأسيس الجائزة سنة 1907 أي إنه المجتمع الذي خدم الإنسانية في دولة رسمية دمرت غالبا الإنسانية بحروب فيتنام وكوريا والانحياز للاغتصاب الإسرائيلي لأرض فلسطين. نعم هو التناقض الصارخ بين أمريكا الأمة وأمريكا الدولة وعلينا نحن في هذه المحنة العسيرة أن نخاطب ضمائر رجال أمثال ناحوم شومسكي وهو اليهودي الذي ناصر الحق الفلسطيني وكان صوته مدويا في المحافل العلمية الدولية وأن نكسب رجال دولة يعتبرون ترامب فاشيا وآخرهم الرئيس السابق باراك أوباما الذي حذر من هشاشة الديمقراطية في بلاده ومخاطر صعود النازية  .  إننا نحن العرب نقف اليوم في مفترق طرقات متعرجة وعسيرة ولعل من أؤكد الفرائض الغائبة هو ما لم يحدث أي أن تقرر القمم العربية الإسلامية مشروعا ذكيا لفك الآلية الأمريكية والتخطيط لمخاطبة الرأي العام الأمريكي ومناهج الدفاع عن حقوقنا ولدينا من الخبراء ومن مراكز التفكير الإستراتيجي ما يجعلنا نغتنم تنوع وقوة الأمة الأمريكية دون التخلي عن آليات المقاومة الأخرى والتي تؤكد للعالم أننا متمسكون بالحق.