14 سبتمبر 2025
تسجيلتهدد أزمة منطقة اليورو الاقتصاد العالمي برمته، فالعملة الأوروبية التي مضى عليها عقد من الزمن تقريبا منذ انطلاقها في عام 2002 تغلغلت في عمق النظام المالي والمصرفي العالمي، بحيث أصبح من الصعب تخيل هذا النظام دون العملة الأوروبية. لذلك، فإن الأزمة التي تمر بها بلدان الاتحاد الأوروبي، هي أزمة عالمية بامتياز، مما جعل العالم في نهاية الأسبوع الماضي يقف متوترا بانتظار ما سوف تسفر عنه القمة الأوروبية من قرارات لإيجاد حل لازمة منطقة اليورو المستعصية، حيث جعل الانقسام الأوروبي هذا الموضوع أكثر إثارة وقلقا. وفي نهاية الأمر وقفت 26 دولة من أصل 27 أعضاء في الاتحاد الأوروبي في جانب وبريطانيا لوحدها في الجانب الآخر ومعارضة بشدة تعديل معاهدة الاتحاد الأوروبي ومستخدمة في ذلك "الفيتو" الذي لم يساعدها كثيرا، إذ إن الأمر يتعدى موضوع الأزمة الحالية ليصبح قضية وجود بالنسبة للمجموعة الأوروبية ولليورو تحديدا، مما أثار بدوره جدلا واسعا، وبالأخص داخل بريطانيا لم يتوقف حتى الآن. وبما أن هناك اتفاقا بين 26 دولة، فإنه يمكن القول إن الانقسام هو انقسام بريطاني داخلي أكثر منه انقسام أوروبي، حيث انتقد حزب العمال البريطاني بشدة وكذلك فعل نائبه وحليفه في الائتلاف الحاكم نك غليغ موقف رئيس الوزراء ديفيد كاميرون أثناء معالجته لهذه القضية في القمة الأوروبية التي عقدت في بروكسل مؤخرا. والحقيقة إنه من الصعب تقييم الموقف البريطاني والذي يقع بين نارين، فإذا ما انضمت بريطانيا للمعاهدة الجديدة ووافقت على التعديلات المتوقع إدخالها على المعاهدة، فإنها يمكن أن تخسر موقعها المالي المميز، باعتبارها أهم مركز مالي في أوروبا والعالم، حيث يشكل القطاع المالي 10% من حجم الاقتصاد البريطاني. أما في حالة رفضها، كما حدث بالفعل، فإنها معرضة للانعزال أوروبيا، حيث أكد الرئيس الفرنسي ساركوزي على أنه لا يمكن استثناء بريطانيا بأي حال من الأحوال من بنود التعديلات الجديدة، مما يعني أنها ستتحمل عواقب وخيمة على المدى المتوسط والبعيد، إذ إن هذا الانعزال سيفوت عليها فرصا كثيرة، كما أنه سيعزلها عن أهم شريك تجاري لها في العالم. وإضافة إلى ذلك، فإن ابتعادها عن محيطها الأوروبي اقتصاديا سيشجع على انفصال اسكتلندا ذات الهوى الأوروبي عن التاج البريطاني وسيمنح الحزب الوطني الاسكتلندي الذي يطالب بالانفصال المزيد من الدعم ليس المحلي فحسب، وإنما الأوروبي أيضا. لذلك، فإن رئيس الوزراء البريطاني وحزبه المحافظ في وضع لا يحسد عليه، إذ لا يكفي أنه طمأن نفسه قائلا "هذا هو القرار المناسب لبريطانيا"، إلا أن ما يهمنا هنا هو التساؤل وماذا بعد؟ أي هل ستؤدي الإجراءات المتخذة إلى الخروج من عنق الزجاجة بالنسبة للاتحاد الأوروبي بشكل عام ولمنطقة اليورو تحديدا، أم أنه من السابق لأوانه التفاؤل بهذه النتيجة؟ من حيث المبدأ تعتبر الإجراءات المتخذة والمتمثلة أساسا في دعم صندوق الإنقاذ المالي بـ 500 مليار يورو وتقديم 200 مليار يورو أخرى لصندوق النقد الدولي لزيادة قدرته على دعم دول الاتحاد المتعثرة وفرض ضرائب ورسوم وتقييدات جديدة على المؤسسات المالية والمصرفية سوف تساعد كثيرا في وقف التدهور على أقل تقدير، مما يتيح مجالا لالتقاط الأنفاس وإشاعة جو من الثقة المفقودة، إلا أنه لا يمثل بكل تأكيد حلا سحريا للازمة. ومما يدعو للتفاؤل هو انتباه الاتحاد الأوروبي لأخطائه السابقة، حيث أشارت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إلى ذلك قائلة "إننا يجب أن نتعلم من الأخطاء"، تلك الأخطاء التي كادت أن تكون قاتلة، حيث تضمنت التعديلات على المعاهدة الأوروبية اتخاذ إجراءات صارمة قد تصل إلى حد تجميد العضوية في حالة تجاوز العجز في الميزانية لبلد ما نسبة 3% من الناتج المحلي الإجمالي، علما بأن هذه النسبة وصلت إلى 12% في اليونان، كما أن هناك مراقبة لحجم الديون نسبة للناتج المحلي الإجمالي. وباختصار، فإن هذا ما سوف يقود إلى سياسة مالية أوروبية موحدة، وهو ما تسعى إليه كل من ألمانيا وفرنسا، حيث يشكل ذلك، كما أثبتت التجربة أحد أهم القواعد اللازمة لنجاح العملة الموحدة، كما تثبت الأزمة الحالية لمنطقة اليورو. ويبدو أن البلدان الفاعلة في العالم، بما فيها الولايات المتحدة واليابان والبلدان الصاعدة، كالصين وروسيا والهند والبرازيل والبلدان النفطية، كدول مجلس التعاون الخليجي تدعم مثل هذا التوجه الأوروبي، وذلك من أجل تفادي تداعيات أزمة اليورو على اقتصادياتها وتفادي ركود عالمي طويل، مما يدعم التفاؤل الذي أشرنا إليه، فالقضية لا تكمن في إنقاذ اليورو فحسب، وإنما إنقاذ الاقتصاد العالمي ككل.